عادل نعمان..
وأعترف أنني كنت أخشاه، وأتوجس لقاءه؛ فهو في وادٍ والناس في آخر. فلربما يتعالى أو يتكبَّر – وهو يمتلك نواصيها وأكثر – حتى جمعني به لقاء في بيته العامر.
كم كان بسيطاً مجاملاً، ودوداً طيباً.. مع من يجاوره أو يؤنسه، حريص أن يرفع الكلفة بينه وبين جلسائه؛ فتراه – من فرط تلطفه وترفقه – يوقف حظه الوافر إلى تصاريف الأقدار!! فتخرج راضياً بما قسم الله له، وما فرضه الله عليك!! يؤكد في مذكراته على هذا: «إن رحلتي سلسلة متصلة من التقاطعات، ما وصلت إليه من نجاح.. كان نتيجة لها، وما أصابني من محن.. كان نتيجة تقاطعات من نوع آخر، يسمونها استسهالاً (صدفة)،لكني أعتقد أنها أقدار ربانية». أعتقد أن صلاح دياب قد سبر أغوار النفوس، فأراح كل من اقترب من صحبته؛ أكان موفور الحظ أو قليل البخت، فسلم من الحسد ومن ألسنة الناس.
ومفتاح شخصية «صلاح دياب» – كما بلغني من كتابه – ليس مفتاحاً واحداً، بل اثنين؛ أولهما «العناد».وثانيهما «الإعجاب بذواته» (جمع ذات). وهو ابن ذوات، فكل مشروعاته عناد في عناد، و«المصري اليوم» أحد نتاجات هذا العناد. واجه الكثير من التحديات والمطاردات، والنيابات.. إلى السجن دون جريمة أو اتهام، تجاوزت حدود العناد إلى المكابرة والتحدي الصريح، وهو وريث لعناد جده «توفيق دياب» صاحب جريدة الجهاد – التي أغلقها إسماعيل صدقي باشا – ونرجو الله ألا تواجه «المصري اليوم» نفس المصير.
صلاح دياب مشاكس.. من نوع الطيور المهاجرة، لتعيش تطير عكس الرياح، يقفز من فرن حلويات «لابوار»..إلى ثلاجة الخضار والفاكهة ««بيكو»، إلى نيران آبار البترول في البحار، إلى قهوة أون ذا رن، أو بينوس، أو نيو جيزة، أو جامعة النيل. من بريمة تحت الأرض.. إلى أخرى فوق السحاب، ليرتجف تحت غطائه ليلاً في سريره بلا نوم!! وأول ما تكتشفه في كتابه «مذكرات صلاح دياب هذا أنا» أن هذا الرجل لديه مخزون من العناد، لو كان عادلاً.. لوزعه على الآلاف. ولوجدنا أكثر من صلاح دياب حولنا الآن.. يتنافسون حول آبار بتروله، أو مزارعه، وشركاته متعددة الجنسيات.. هنا وهناك.
مفتاح الشخصية الثانية «الإعجاب بالذوات»؛ جمع ذات، و«الإعجاب» عند غيره.. من المهلكات المدمرات، إلا أنه عنده.. من المعمرات الباقيات؛ يحاول إخفاءه، إلا أنه ينضح على جبينه، وله الحق كل الحق، فإن لم يعجب صلاح دياب بذواته المتعددة فمن ذا الذي يضاهيه؟ وإن لم يكن التفاخر بالعائلة، ومجدها، ونشأتها.. نيشاناً، فبمَ نزهو ونتفاخر؟
إياك أن تظن، يا عمي صلاح، أن النبتة والغرسة.. التي أثمرت، إن لم تكن قد غرستها هجرة جدك الأكبر الحجازية، وشتل بذرتك إلى بيت جدك توفيق دياب طفلاً صغيراً، وشد عودك بالملاكمة لتحافظ على حقك ولا تتراجع، وحرثك الثقافي في صالونات توفيق الحكيم والعقاد ومحمد زكي عبد القادر، فتزيد تربتك خصوبة ونماء، إن لم تجن هذه الأرض آلاف الثمرات.. كصلاح دياب، وتغرس بيديك ألف غرسة، ليجني أحفادك نعيمها، قُل علينا العوض، وعليك ألف لوم وعتاب!! فهي ذرية بعضها من بعض، تتناقل التجارب والخبرات، وتنصهر في قالب.. يحمل جينات التفوق والفكر والعناد والتفاخر، ولك الحق حين تتساءل «فلماذا أكتب مذكراتي، فأنا لست زعيماً سياسياً ملهماً، أو نجماً سينمائياً يجتذب الأضواء، أو مصلحاً اجتماعياً يتأمل الناس مسيرته أو مجدداً»، فإن الإجابة تطربك وتعجبك. وأنت فطن، تعرف صدقها عند المقربين والمنافقين. يا عم صلاح أنت تفوز بالنقاط على كل هؤلاء مجتمعين، وبالقاضية لو تقدم على الحلبة كل واحد منهم بمفرده، أنت لست صدفة.. كما تحاول أن تخفف عنا أو تثقل على نفسك.
وربما تكون الصدفة الوحيدة – التي صنعت كل «الذوات» – كانت من نصيب جده الأكبر الأميرالاي «موسى دياب»،والد جده لأمه محمد توفيق دياب، وشقيق جده لأبيه؛ فلو كان قد نُفذ فيه حكم الإعدام.. ما كان لنا في صلاح دياب نصيب.. من الناحيتين الأم والأب. والحكاية أن موسى دياب كان مقرباً من الخديو توفيق، إلا إنه قد انضم إلى ثوار عرابي، وحوكم بالإعدام.. لكونه عسكرياً متمرداً، وقد تم نقله – مع رفاقه العسكريين – من القاهرة إلى الإسكندرية بالقطار لتنفيذ الحكم، ولما توقف القطار لساعتين في طنطا، واستجاب السجان لهم.. للصلاة في مسجد السيد البدوي، كان الخديو توفيق بالصدفة.. في زيارة للمسجد، ولما رآهم بالزي الأحمر مكبلين بالأصفاد.. أمر بالعفو عنهم، هذه صدفة صناعتك يا عم صلاح فقط.
صلاح دياب.. تاريخ متنقل من النجاحات والمعارك والعناد والإعجاب بالذات، مسافر يسبق الزمن، يتخطى الحواجز والحدود، تراه هنا وهناك في آن واحد، زعماء ورؤساء من بوش الأب إلى كلينتون إلى سيلفا كير إلى توني بلير إلى مهاتير محمد إلى الصادق المهدي إلى ديك تشيني إلى محمد بن زايد إلى الملك حسين بن طلال إلى الرئيس السيسي، ليحط أخيراً معانقاً ابنه توفيق، وكأنهما في قعدة صلح!! وتتساءل، من أين جاء بكل هذا العمر، ليعبر كل هذه النجاحات واللقاءات والأحداث؟
عزيزي القارئ إذا أردت أن تتفوق، وتعاند لتنجح.. فاقرأ كتابه. وإن أردت أن ترضى بالمقسوم.. فاقرأه أيضاً، ستجد فيه مستقرك.
«الدولة المدنية هي الحل».
نقلاً عن «المصري اليوم»