في تطور ميداني لافت عقب الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كشف مصدر مقرّب من حزب الله لوكالة “فرانس برس” أن الجيش اللبناني بات يسيطر على معظم المواقع العسكرية التابعة للحزب في جنوب نهر الليطاني، تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
وذكر المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الحزب سلّم حتى الآن حوالي 190 موقعًا عسكريًا من أصل 265 نقطة محددة له في المنطقة، مؤكدًا أن هذا الانسحاب يأتي بعد تراجع كبير في قدرات الحزب نتيجة الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
تراجع حزب الله جنوبًا
وجاء هذا التطور في أعقاب الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وحركة حماس في غزة في أكتوبر 2023، والتي فتحت جبهة مساندة من قبل حزب الله في جنوب لبنان. ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات في سبتمبر 2024 إلى حرب مفتوحة، تكبّد الحزب خسائر جسيمة في صفوف قياداته العسكرية، أبرزهم الأمين العام السابق حسن نصرالله، ما أدى إلى إضعافه بشكل غير مسبوق.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، نصت التسوية على انسحاب حزب الله شمال الليطاني، وتفكيك بنيته التحتية العسكرية في الجنوب، وانتشار القوات الدولية “يونيفيل” إلى جانب الجيش اللبناني وحدهما في المنطقة الممتدة حتى الحدود مع إسرائيل.
الجيش اللبناني يتولى زمام المبادرة
وأكد مصدر أمني لبناني لـ”فرانس برس” أن الجيش اللبناني فكّك معظم مواقع الحزب في جنوب الليطاني بالتعاون مع قوات “يونيفيل”، مضيفًا أن الجيش “في الخطوات الأخيرة لإنهاء الوجود الأمني أو السيطرة الأمنية على كل المواقع الحزبية في الجنوب”.
ويعتبر هذا التطور نقلة كبيرة في المشهد الأمني اللبناني، ويعيد إلى الواجهة مسألة حصر السلاح بيد الدولة، التي لطالما كانت محل جدل داخلي وخارجي منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990.
مواقف لبنانية حذرة
ترافق هذه التحركات مع ضغوط أمريكية متزايدة على الدولة اللبنانية لتطبيق قرار وقف الأعمال العدائية بشكل كامل. وخلال زيارتها الأخيرة إلى بيروت، قالت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إن “هناك فرصة ذهبية للبنان للخروج من أزمته”، مشددة على أن “الجيش اللبناني قادر تمامًا على نزع سلاح حزب الله”.
من جانبه، جدّد الرئيس اللبناني جوزاف عون، الذي جاء إلى الحكم بدعم من قوى تطالب بتقليص نفوذ الحزب، التزامه بحصر السلاح بيد الدولة، مشيرًا إلى “أهمية الحوار” لتحقيق هذا الهدف، ومعلنًا أن العمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني سيبدأ قريبًا.
إسرائيل لا تغيب عن المشهد
ورغم وقف إطلاق النار، ما تزال إسرائيل تشن غارات متقطعة على أهداف تقول إنها تابعة لحزب الله في الجنوب، بينما تواصل التمركز في خمس تلال “استراتيجية” قرب الحدود، في تحدٍ واضح للهدنة، واستمرارًا للضغط العسكري على الحزب.
ويُعد حزب الله الفصيل العسكري الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد الحرب الأهلية، مبررًا ذلك بشعار “المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي”، لكنه اليوم يجد نفسه في موقع دفاعي، أمام ضغوط داخلية ودولية غير مسبوقة، تطرح تساؤلات كبرى حول مستقبله العسكري والسياسي في لبنان.