Times of Egypt

المذاهب الإسلامية.. من الصراع السياسي إلى الحوار والتقريب 

M.Adam
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح 

 
تشير الدراسات التاريخية حول تطور الأديان والمذاهب السماوية، والوضعية، والأديان المقارنة.. إلى أن الصراعات السياسية، كانت في الغالب وراء تكوين المذاهب الدينية.. داخل كل ديانة؛ كنتاج لصراعات حول توظيف الدين في لأغراض سياسية، وفي إنتاج تأويلات وسرديات تتناسب مع كل مذهب.. حول المقدس الديني – والسُّنَّوي في الإسلام – والسرديات المتعددة حول النص المقدس.  

من ناحية أخرى، أنتج الصراع السياسي الدنيوي – حول السلطة والمصالح – سردياته التي تشرعن المذهب.. في مواجهة المذاهب الأخرى. بعض المدارس – داخل المذهب الديني – كان مرجعها الخلاف.. حول مقاربة وتأويل النص المقدس؛ مثل السنة، والمعتزلة، والماتردية، والأشعرية والظاهرية، والمرجئة، والشيعة الاثنى عشرية، والإباضية، والعلوية أو النصيرية، والزيدية، والإسماعيلية… إلخ. كلها مذاهب عقدية وفكرية وكلامية.. تطورت مع نمو وتطور الفكر الإسلامي؛ الفقه وعلم الكلام ، وذهب إمام أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري (260- 324م)، إلى جعل أمهات الفرق الإسلامية عشراً، وهي الشيعة والخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والضرارية، والحيثية، والبكرية، والعامة، وأصحاب الحديث، والكلابية. 

بعض هذه المذاهب، خفَّ وهجها، ولكن ظلت جزءاً من ذاكرة علم الكلام، وأصول الفقه، وتاريخ المذاهب الإسلامية، وظل بعضها حاضراً من خلال تشكل هذه المذاهب وسردياتها الفقهية والكلامية، وأبرزها المذهب الأشعري – أهل السنة والجماعة – والمذهب الشيعي، والإباضي، والزيدي، والعلوي، والدرزي – من منظور شيوخ عقل الطائفة الدرزية وبعض سياسييها – ولا تزال هناك بعض الـخلافات مع المذاهب الأقلَّوية.. أياً كانت لدى غالب الأغلبيات السنية الأكثرية ومؤسساتها الدينية الكبرى، وتهيمن على الجغرافيا المذهبية والسياسية في الدول الإسلامية، وسلطاتها المذهبية التابعة للنظم السائدة، لا سيما مع المذهب الشيعي ومدارسه، وبعض المكونات الشيعية في هذه المجتمعات، وهيمنة المذهب وتقاليده في إيران والذي اتخذ طابعاً قومياً فارسياً. 

تاريخياً، ظهرت بعض محاولات رأب الصدوع المذهبية.. بين أهل السنة والجماعة، والشيعة الاثنى عشرية، رادها الإمام الأكبر محمود شلتوت، والإمام القمي، إلا أن تطور الصراعات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، أدى إلى تراجع نزعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، واستمرارية الصراعات المذهبية. استمرارية النزاعات المذهبية – لا سيما فى العالم العربى، ودول الجوار الجغرافي – مرجعها العديد من الأسباب، يمكن إيراد بعضها فيما يلي: 

– سياسات التعليم الديني التي تركز من منظور كل نظام سياسي، وسلطة دينية للسرديات التاريخية للمذهب الذي تنتمي إليه – سواء كان فقهياً، أو كلامياً – وتركيزها على درس الخلافات وأسبابها السياسية، مع رفدها بالمصادر الدينية، وكأن الخلافات كانت محض دينية فقط، وتهميش الأسباب السياسية الوضعية.. حول الخلافة الإسلامية، والصراع على أحقية من يتولاها، بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. 

– استغلال الخلافات المذهبية التاريخية وسردياتها.. في الهيمنة على الوعي الديني للجموع الغفيرة من المؤمنين بالمذهب – سني أو شيعي أو إباضي أو زيدي .. إلخ – دونما معرفة غالبيتهم بأصول الخلافات وأسبابها، وسياقاتها التاريخية، وأن الخلاف المذهبي لا يعني انفصال المذهب المخالف عن الدين المشترك، والنص المقدس المتعالي. 

– تحوُّل السرديات المذهبية التاريخية وكبار الفقهاء.. داخل كل مذهب، إلى شخصيات محاطة بالإجلال والتوقير والتنزيه، وأحياناً إلى غلال شبه مقدسة، تضفى على بعضهم وأعماله الفقهية، ومن ثم تبدو أي محاولة لمقاربة إنتاجهم الفقهي نقدياً.. أمراً يواجه حيناً بالتجريح، أو التفسيق أو الرفض، وفي بعض الأحيان تكفير بعض هذه الشخصيات الناقدة او الرافضة . 

– استخدام بعضهم المظلوميات التاريخية والسياسية لبعض آباء المذهب – الشيعة مثالاً- سنداً في استمرارية السيطرة على الأتباع المذهبيين، من خلال المزيد من الشروح والتأويلات لتكريس المظلومية ذات الأسباب السياسية حول الخلافة والسلطة. توظيف المظلوميات الحديثة والمعاصرة للمذهب/ الطائفة – وهو حق – في الهيمنة على النظام خارج الدولة، دونما النضال من أجل الحصول على حقوق المواطنة على نحو ما حدث في المثالين اللبناني والمكون الشيعي العراقي والحوثي في اليمن. 

– تحول المذهب في الوعي الجمعي للجماعة/الطائفة المذهبية.. إلى جزء من التدين الشعبي، خاصة الخلافات، ومحاولة شرعنة خروجها عن الصراط الديني المستقيم، وتحول المذهبية السياسية إلى جزء رئيسي.. من ثقافة كل طائفة وجماعة مذهبية، وإلى ربط السلطات السياسية الحاكمة والدينية – التابعة لها – بين المذهبية والهوية الجماعية.. داخل ذات الدين الواحد، ومن ثم ميلهم إلى تحويلها إلى هوية مغلقة، وربطها مع الأصول الثقافية.. على نحو يؤدي إلى تحويل الصراعات المذهبية إلى هويات مذهبية متقاتلة. 

– ربط المظلومية التاريخية والنزعة الثأرية.. بالواقع المعاصر، والتمركز حول المذهب الاصطفائي المفرط ، واستخدامه أداة لاندماج الجماعة المذهبية داخلياً، والسيطرة عليها. 

– توظيف المذهب الديني/السياسي في السياسة الخارجية للدولة ذات الأيديولوجية الدينية. 

– بعض المذاهب الفقهية – خاصة الأقلَّوية – كانت تعبيراً عن مواجهة بعض مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية.. في ظل الحصار العقدي والمذهبي الأكثري، وقدَّم فقهاؤها بعض الاجتهادات والتجديد في الفقه والفكر الديني، إلا أن النقد المذهبي الأكثري.. المضاد في غالبه كان – ولا يزال – لا ينفتح على بعض من هذه الاجتهادات، واعتبرها بعضهم خروجاً على صحيح الدين من منظوره المذهبي. 

– ميل بعض كبار رجال الدين – في بعض الدول العربية – إلى رفض وإجهاض أي مساع للتقريب بين المذاهب الإسلامية، أو الحوار المذهبي.. باستثناء الإمام الأكبر الأستاذ د. أحمد الطيب. وهذا الرفض ذو طابع انغلاقي، وتابع للسلطة السياسية الحاكمة.. في نزاعاتها مع بعض الدول المذهبية؛ كإيران والجماعات المذهبية الداعمة لها  – بما فيها حماس والجهاد الإسلامي – وهو اتجاه تكرَّس قبل وبعد الثورة الإيرانية، ثم الحرب العراقية-الإيرانية، ومخاوف بعض الدول من انتقال رياح الثورة المذهبية إلى داخلها. 

– توظيف السياسة الإيرانية للمسألة الفلسطينية.. في بعض التدخل في الشؤون الداخلية في الدول العربية، التي بها مكونات شيعية، ودعمها مالياً وعسكرياً وسياسياً؛ مثل حزب الله في لبنان، والفصائل الشيعية في العراق، والمكون الشيعي في البحرين، والحوثيون في اليمن، وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. 

من هنا نستطيع القول إن تسييس المذاهب الإسلامية، والصراعات.. داخل دول كل مذهب، وأيضاً بين المذاهب بعضها بعضاً، أدى إلى تفكك وتناقضات وصراعات سياسية بالمذاهب الدينية، على نحو ساهم في ضعف وتفكك الجغرافيا السياسية، والدينية والمذهبية إسلامياً وعربياً، ومن ثم بدت الحاجة الموضوعية إلى ضرورة البحث عن المشتركات الإسلامية العربية الجامعة، مع احترام التعددية المذهبية وضرورة السعي للتقريب بين المذاهب، وفق التقليد التاريخي المذهبي لدى الإمام الأكبر أستاذنا الجليل محمود شلتوت، وهو الاتجاه الذي يقوم به الأستاذ الإمام أحمد الطيب.. على نحو ما تم مؤخراً، في المؤتمر الذي عُقد بالبحرين. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة