عبدالله عبدالسلام
منذ أن أعلن ترامب – بداية فبراير الماضي – اقتراحه بتهجير أبناء غزة وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، تكوَّن ما يشبه الإجماع العربي على رفض الخطة، وتسابق الجميع على تأكيد أن العرب لا يمكن أن يوافقوا على ترحيل قسري للفلسطينيين وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية. وعندما أخذت مصر على عاتقها وضع خطة بديلة.. لإعادة إعمار القطاع، توالت ردود الفعل العربية الداعمة، مما عزز من صورة العرب أمام العالم.. الذي انتظر موقفاً عربياً موحداً لمنع تنفيذ أفكار ترامب العنصرية «التجارية».
مع هذا الرفض الكاسح، كان المتوقع أن تكون القمة العربية الطارئة هي المناسبة التي يقدم فيها العرب أنفسهم للعالم.. وهم على قلب رجل واحد، بشأن قضية لا تهدد مستقبل الفلسطينيين فقط.. بل العرب أنفسهم. كان من المنطقي أن يكون حضور القادة العرب «كامل العدد».. لبعث رسالة إلى كل من يهمه الأمر، بأن خطة إعمار غزة هي الرد العربي الوحيد على سيناريوهات إسرائيل وأمريكا تجاه مستقبل غزة. تماماً، كما فعل القادة الأوروبيون قبل أيام من القمة العربية، عندما عقدوا في لندن قمة لوضع خطة لإنهاء الحرب الأوكرانية-الروسية.. بديلة عن خطة ترامب، الذي حوَّل القضية إلى صفقة تجارية؛ للحصول على 500 مليار دولار من خلال استغلال ثروات المعادن النادرة الأوكرانية. لم يتغيب زعيم أوروبي ممن دُعوا للحضور. أظهر المشهد رغبة أوروبية في تأكيد قدرة أوروبا، رغم كل خلافاتها، على التوحد عندما يلقي الخطر بظلاله على حاضرها ومستقبلها.
أما عندنا، فقد جاء غياب قادة عرب مؤثرين.. ليثير التساؤلات لدى الرأي العام العربي، حول أسباب عدم الحضور.. في وقت يواجه فيه العرب أخطر تحديات مرت عليهم، منذ غزو العراق 2003، وربما قبل ذلك بكثير.. لأن المطروح هو شطب فلسطين تماماً من الخريطة، بينما العراق باقٍ.. حتى ولو جرى احتلاله آنذاك. المواطنون العرب فقدوا – تقريباً – الأمل منذ سنوات طويلة.. في إمكانية أن ترتفع القمم العربية إلى مستوى التحديات. لكن الخطر الراهن.. جعلهم يأملون في أن تتغير الأحوال ويقف قادتهم متحدين أمام العالم.. برسالة واحدة، وهي رفض التهجير. بعض الغيابات تحدثت عن عدم التنسيق قبل القمة.. بشأن الخطة، بينما كان من الممكن الحضور وإثارة المسألة. والبعض الآخر.. بدون إبداء أسباب.
هل نطلب من العالم أن يأخذنا بجدية.. طالما لا نأخذ نحن أنفسنا بجدية؟
الرسالة التي بعث بها الغياب، أن هناك خلافات – أو عدم توافق بين العرب – مما يعطي إسرائيل وأمريكا.. ذريعة لرفض الخطة، والمُضي قدماً في مخططاتهما الإجرامية. لا أقول إن إسرائيل كانت ستوافق، أو أن إدارة ترامب سترحب.. لو كان حضور القمة كاملاً، لكن الغياب سيدفعهما للتمادي والإصرار على الرفض، وهو ما حدث بالفعل.
ترامب تمسَّك بخطته، وإسرائيل سارعت بالرفض، بل وتستعد لاستئناف العدوان.
الغياب العربي مرض عُضال.. عصي على العلاج. والأخطر، أن هناك من يتباهى به.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نقلاً عن «المصري اليوم«