كشف وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، اليوم الأحد، عن شروع بلاده في تنفيذ “رد تدريجي” ضد الجزائر، يشمل إجراءات منع دخول وقرارات طرد تستهدف جزائريين يحملون جوازات سفر دبلوماسية.
وأكد ريتايو، في تصريحات لصحيفة “لو فيغارو”، أن السلطات الفرنسية طردت بالفعل عدداً من الجزائريين فور وصولهم إلى مطار رواسي بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، وذلك في سياق تفعيل هذا الرد التدريجي.
وتأتي هذه التطورات بعد واقعة أثارت جدلًا واسعًا كشفت عنها الوكالة الجزائرية للأنباء، حيث أفادت بأن شرطة الحدود الفرنسية قامت بإبعاد زوجة السفير الجزائري في مالي ومنعتها من دخول الأراضي الفرنسية. وبررت السلطات الفرنسية القرار بأن السيدة لم تكن تحمل أموالًا كافية، فيما ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن عدم توفرها على كافة مستندات السفر كان السبب الحقيقي وراء الإبعاد.
وفي ردها على الحادثة، انتقدت الوكالة الجزائرية الرسمية ما وصفته بـ”الاستفزاز الفرنسي المبالغ فيه”، مؤكدة أن زوجة الدبلوماسي كانت في وضع قانوني سليم، وقدمت شهادة إقامتها ووثيقة تأمين بالإضافة إلى بطاقة الائتمان الخاصة بزوجها.
وتعكس هذه الواقعة فصلًا جديدًا في سلسلة الأزمات المتلاحقة التي تشهدها العلاقات بين باريس والجزائر في السنوات الأخيرة، حيث باتت التوترات السياسية والدبلوماسية بين البلدين في تصاعد مستمر، مع تزايد حدة التصريحات الرسمية من الجانبين، في مشهد يعيد إلى الأذهان الإرث الاستعماري الثقيل الذي ما زال يلقي بظلاله على العلاقات الثنائية منذ استقلال الجزائر عام 1962.
وفي تعليقاته، أوضح ريتايو أن الإجراءات الفرنسية الجديدة تفرض على حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية تقديم أمر مهمة رسمي عند الوصول إلى المطارات والمنافذ الفرنسية، مشيرًا إلى أن عدم الامتثال لهذه المتطلبات قد يؤدي إلى الإبعاد الفوري. وأضاف أن هذا النهج التدريجي يسمح لفرنسا باستهداف أفراد محددين، خصوصًا من النخبة الجزائرية، في إشارة إلى أن باريس تسعى لزيادة الضغط على دوائر القرار في الجزائر.
وتتزامن هذه الخطوة مع جهود فرنسية متعثرة لإعادة ضبط مسار العلاقات الثنائية، حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، إلى استئناف الحوار الجاد بين البلدين حول اتفاقيات الهجرة، في محاولة لتجاوز الخلافات المتراكمة. إلا أن التطورات الأخيرة قد تدفع العلاقات الثنائية إلى مزيد من التأزم، في وقت يتساءل فيه المراقبون عمّا إذا كانت القطيعة الدبلوماسية بين البلدين باتت وشيكة، أم أن الأمر لا يزال في إطار التصعيد التكتيكي المؤقت.
ومع استمرار التراشق الدبلوماسي بين الجانبين، تبدو العلاقات الفرنسية الجزائرية معلقة على خيط رفيع، في ظل غياب إرادة سياسية واضحة لإعادة بناء الثقة، ووسط شكوك متزايدة حول مستقبل الشراكة الاستراتيجية التي لطالما شكلت محور العلاقات بين البلدين.