عبدالله عبدالسلام
«كل ما تفعله وتقوله.. هو – بالنسبة لأمريكا – سرابٌ مُعَلّق؛ فلم تتعلم من الطبيعة.. سياسات الطبيعة. لم تتعلم الاتساع الشاسع والاستقامة والنزاهة. لم ترَ أن ذلك فحسب.. ما تحتاجه هذه الولايات، وأن ما هو أقل منها سيزول.. إن عاجلاً أو آجلاً من هذه الولايات». هذه قصيدة بعنوان: «إلى رئيس» للشاعر الأمريكي والت ويتمان (1819- 1892)، وردت ضمن كتاب: «أوراق العُشب.. الأعمال الشعرية الكاملة.. والت ويتمان»، من تقديم وترجمة الشاعر الراحل رفعت سلام. تبدو الرسالة وكأنها إبداع شاعر يعيش معنا. يتأمل ما يفعله ترامب، ويتعجب.. مستخلصاً الحكمة الأبدية بأن كل ذلك زائل لا محالة.
يمارس ترامب مع الحكومات الأخرى – حليفة أو عدوة – أساليب التخويف والتنمر. لديه – كما ذكرت صحفية بريطانية – حنين لمشاهدة أفلام رعاة البقر الأمريكية القديمة، عندما كان «الكاوبوي» يقتحم إحدى البلدات.. لمساومة أهلها على مطالب معينة، وإلا فإن السلاح سيتكلم. فعل ذلك مع كندا، وكذلك الدنمارك.. التى يرغب فى شراء جزيرة جرينلاند منها. ومع دول أخرى.. كانت الرسوم الجمركية سلاحه؛ إذا لم يستوردوا سلعاً أمريكية أكثر، ويقللوا من صادراتهم. مع الفلسطينيين.. لا مجال للتفاوض.
إنه يقرر.. سيمتلك غزة، ويبني فيها «ريفييرا الشرق الأوسط». سيتم ترحيل أبنائها، ولن يكون لهم حق العودة. على مصر والأردن استقبال المهجّرين، وإلا سيتم وقف المساعدات. ليس مستعداً للنقاش، أو تبادل الرأي حول قراراته. مؤتمره الصحفي مع العاهل الأردني.. كاشف وصاعق. كل يوم يصعِّد من مطالبه. تبنَّى بالكامل.. رؤية إسرائيل، بل زايد عليها. غلاة المتطرفين اليهود.. لم تصل مطالبهم إلى هذا الحد.
قد يعتقد أنه بذلك.. يضمن تنفيذ إملاءاته، من خلال المصادرة على ردود الأفعال، وبعثرة أوراق الأطراف المقابلة. إنها نفس استراتيجيته مع منافسيه أيام كان مقاول عقارات. ما لا يدركه، أن التعامل مع الشعوب مختلف تماماً. ورُبَّ ضارة نافعة. خلال الفترة الماضية، تقاربت المواقف العربية.. كما لم يحدث منذ سنوات طويلة. الحكومات ظهرت.. وكأنها تعزف نفس اللحن الرافض للتهجير، والسيطرة على غزة. الشعوب توحدت مواقفها، وإن بعاطفة أشد حدة ولغة أقوى. لغة المحاور – التي كانت تسم السياسات العربية – أخلت الطريق.. لعودة «المحور العربي» فقط.
يبقى أن تكون هناك خطط عملية.. لمواجهة تهوره. الحديث عن قطع المعونة عن مصر والأردن، يجب ألا يصيبنا بالقلق أو الفزع. من المهم أن يكون هناك بديل عربي لدعم البلدين. لا يمكن لأي دولة تغيير سياستها ومبادئها.. مقابل مبلغ من المال.. مهما كان حجمه، أو مدى الحاجة إليه. الوعود التي قدمتها حكومات عربية للاستثمار بمئات المليارات في أمريكا، قد يكون ضرورياً إعادة النظر فيها.
لا أحد يدعو إلى مواجهة ليست في مصلحة أحد، لكن من الضروري وصول الرسالة واضحة جلية.
لغة الإنذارات، والتهديدات، وتحديد مستقبل شعب كامل – دون استشارته – زائلة؛ كما قال ويتمان، ولا مكان لها في عالم اليوم.
نقلاً عن «المصري اليوم»