زياد بهاء الدين
تعلمت أن أي تحدٍّ – مهما كان كبيراً – لابد أن يجلب معه فرصة، وأن كل مشكلة – مهما بدت مستعصية – قد تكون دافعاً للتغيير إلى الأفضل.
وهذا ينطبق حتى على «مشروع ترامب» المستهدِف.. تحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق»، بعد إخلائها من سكانها.
المشروع – بلا شك – سيئ واستعماري وعنصري، وغير قابل للتنفيذ. وهذا أمر متفق عليه بين القيادة والحكومة والشعب في مصر، كما أنه محل اتفاق في الوطن العربي. والأهم أن هذا المشروع الاستعماري/العقاري.. مرفوض من الشعب الفلسطيني؛ المتمسك بأرضه، والصامد في وجه محاولات اقتلاعه منها، ونزع حريته وهويته.. منذ قرن وربع (تاريخ المؤتمر الصهيوني الأول). ولن يكون «ترامب».. أكبر، ولا أخطر، ولا آخر تهديد، يتعرض له الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
بالعكس، ربما أن «مشروع ترامب» سيكون دافعاً لنا – نحن الأمة العربية – لإدراك أن علينا التوقف عن انتظار تدخل أجنبي منصف، وأن حل الأزمة الفلسطينية.. الممتدة منذ خمسة وسبعين عاماً، والخروج من الانقسام العربي.. لن يأتي إلا من جانبنا وبإرادتنا.
«مشروع ترامب» كشف – فيما كشف – عن حقيقة مؤسفة، أشرت إليها في مقال الأسبوع الماضي، وهي غياب بديل.. أو تصور مغاير.. يمكن المطالبة به، فيما عدا الأساليب القديمة وغير المجدية. وأقصد بذلك عودة السلطة الفلسطينية للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني، وفتح الحدود للمساعدات الإنسانية.. التي تسيطر إسرائيل على تدفقها، وعقد مؤتمر لإعادة إعمار غزة.. يُسفر عن رصد بضعة مليارات غير كافية، والتأكيد المعتاد على التمسك بالحقوق الفلسطينية والثوابت العربية.
ولكن الواقع، أن هناك بوادر لشيء ما قد يكون مختلفاً هذه المرة، بوادر وليست بعد أفعالاً ونتائج.. وأقصد بذلك المواقف العربية المستمرة.. في رفض تصفية الوجود الفلسطيني، والبيانات الصادرة من مصر والسعودية وغيرهما، والحديث عن تصورات وحلول بديلة.. وإن كانت غير واضحة المعالم بعد، والتعبئة الحادثة في الوطن العربي لرفض تهجير أهل غزة، وضرورة التوصل لحل عادل للقضية الفسطينية.
هناك فرصة.. لكي يكون «مشروع ترامب» – بسبب وضوحه وانحيازه وعنصريته، وتجاوزه لكل ما هو معقول – دافعاً لتحرك عربي.. ننتظره من عقود طويلة. تحرك يتجاوز التصور العقاري، إلى النظر في المستقبل الاقتصادي والإنساني لقطاع غزة المنكوب، ولإعادة الحياة إلى جامعة الدول العربية.. بحيث تتولى إدارة ملف محدد وعملي، وتتولى تنسيق الدعم العربي. وعدم الاكتفاء بتدفق المعونات الإنسانية الضرورية إلى غزة.. بل تحويلها إلى مشروع تنموي متكامل.
هذه ليست أحلاماً.. بل خطوات ممكنة. والرفض العربي هذه المرة، يمكن أن يكون بداية جديدة، لا لحرب ولا لمقاطعة ولا لأي إجراء عنيف ومدوٍّ، بل لاستعادة المبادرة والتعاون المشترك، ونبذ الخلافات السابقة، ومساندة الشعب الفلسطيني في بناء وطن حقيقي.. لا «ريفييرا» للسائحين.
نقلاً عن «المصري اليوم»