د. نيفين مسعد
لم يطل الوقت بنوّاف سلام – رئيس الحكومة اللبناني – حتى أعلن تشكيلته الحكومية الجديدة، التي أطلق عليها اسماً مستوحىً من المهام الموكولة إليها: «حكومة الإصلاح والإنقاذ». فما بين تكليفه بمنصبه وتشكيل الحكومة.. لم يمضِ أكثر من أربعة وعشرين يوماً، وهذا الرقم يُعتبر رقماً قياسياً في عُمر الحكومات اللبنانية. فلقد اعتاد لبنان على التأقلم مع ظاهرة شغور المناصب القيادية.. على امتداد عُمر حكومات تصريف الأعمال، وبالتالي فإن ما تحقّق حتى الآن يُعد إنجازاً.
لكن الأمر لم يكن سهلاً، فالإنجاز المطلوب من سلام كان في مرحلة.. أشبه ما تكون بالبرزخ الذي يفصل بين عهدين سياسيين مختلفين. وفي مثل هذا النوع من المراحل الانتقالية، تزدحم المطالب والتوقعات بشكل يصعب معه الاستجابة لها وتلبيتها جميعاً.
وفي الأخير، خرجت حكومة.. فيها مزيج من العهدين معاً؛ فمن جهة.. استمر الاحتكار الطائفي لحقائب وزارية معينة، وعطّلت عُقدة حقيبة المالية إعلان التشكيل الحكومي، بل إنها كادت تفسد العملية برمتها، إلى أن أعطيت الحقيبة لياسين جابر – القريب من حركة أمل – كما جرت العادة دائماً في الربط بين المالية والحركة.
ومن جهة أخرى، اختلفت هذه الحكومة عن سابقاتها – على مدار عشرين عاماً بالتمام والكمال – حيث أتت لأول مرة من شخصيات غير حزبية، ومن غير النوّاب في البرلمان، وزاد فيها عدد خريجي الجامعة الأمريكية، وحمَلة الجنسية الأمريكية، كما زاد بوضوح.. عدد الوجوه الجديدة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التمثيل النسائي فيها، وقد كان ضعفُ التمثيل الحكومي للنساء.. ظاهرة ملازمة لكافة التشكيلات السابقة، وإن توّلت الوزيرات حقائب ثقيلة كالداخلية والدفاع.
في التعليق على حكومة الإصلاح والإنقاذ، يمكن إبداء ملاحظتين أساسيتين. الأولى: هي أن نوّاف سلام فعل أقصى ما يمكن فعله.. للتعجيل بتشكيل الحكومة، واختار حلاً ذكياً.. للتخلّص من عقدة تمثيل أعضاء من حزب الله في حكومته؛ وذلك بأن اتجه إلى تكليف وزراء غير حزبيين، وإن كانوا على صلة جيّدة بالأحزاب والقوى السياسية المختلفة.. ومنها حزب الله.
هذا الحلّ، لم يعجب أولئك الذين كانوا ينتظرون من سلام تشكيلاً وزارياً راديكالياً، يطوي بالكامل صفحة النفوذ السياسي لحزب الله. فما أن تم إعلان الأسماء، حتى انتُقد سلام لخضوعه لابتزاز الثنائي الشيعي، وذلك في الوقت الذي رحبت فيه السفارة الأمريكية نفسها بالحكومة الجديدة. ومعلوم أن مورجان أورتاجوس – نائبة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط – كانت قد اشترطت عدم تمثيل حزب الله في الحكومة الجديدة، والمعنى.. هو أن موقف بعض الفرقاء اللبنانيين، بدا أكثر تشدداً من الموقف الأمريكي نفسه!
وكما انتُقد سلام من هذا الفريق، انتقده بعض أنصار الثنائي الشيعي – والأدق القول إنهم واصلوا انتقاد المسار السياسي، الذي بدأ بانتخاب چوزيف عون، ومرّ بتكليف نوّاف سلام، وانتهى بتشكيل حكومة غير حزبية – فوصفوا العملية برمتها.. بأنها منتج أمريكي خالص. ومن الناحية العملية.. بدا المخرج الذي توصّل إليه سلام، هو الأنسب.. لمرحلة شديدة الخطورة، لا تحتمل تصفية الحسابات، وذلك على الرغم من أنه من الناحية الديمقراطية – وكما سبق القول في مقال سابق – لا توجد مشكلة في أن ينتقل الثنائي الشيعي للمعارضة.. كما سبق أن انتقلت للمعارضة قوى مسيحية وسنيّة رئيسية، ولم تحدث مشكلة. لكن خطورة المرحلة، كانت تقتضي التحلّي بالحكمة، ويُحسَب لنوّاف سلام.. أنه أنهى بدعة الثلث المعطل، التي كان يحتجزها الثنائي الشيعي لنفسه، ويوقف بموجبها ما لا يعجبه من قرارات الحكومة.
الملاحظة الثانية: هي أن حكومة نوّاف سلام.. تستحق كل الدعم، لتمكينها من استيفاء قائمة المهام الداخلية والخارجية، التي يتعيّن عليها القيام بها. وكون هذه الحكومة حظيت بتأييد فوري من الولايات المتحدّة وفرنسا، فإن هذا يعني أنها تتمتع بالدعم الدولي، وهو ما قد ييسّر عملية إعادة الإعمار الضخمة.. التي يحتاج إليها الجنوب اللبناني بشكلٍ خاص.
لكن هذا لا يلغي أن حكومة سلام.. تواجه تحديات، تنبع من عدّة مصادر؛ فهناك الوضع الأمني الهش على حدود لبنان.. مع كلٍ من إسرائيل وسوريا. فمن المفترض أن تجلو إسرائيل عن القرى الجنوبية.. التي احتلّتها بحلول الثامن عشر من هذا الشهر. وبفرض أنها انسحبت، فلا أحد يدري بالضبط ماذا في جعبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة.. المنتعشة جداً في ظل رئاسة ترامب للولايات المتحدة.
وأي تعقيد يطرأ على مسألة الانسحاب، سيجر معه سلسلة من التعقيدات المرتبطة به، والمتعلّقة بقضية سلاح حزب الله. وبالتوازي مع ذلك، تشهد الحدود مع سوريا اشتباكات متقطّعة وعنيفة.. بين القوات التابعة لما يسمّى إدارة العمليات في سوريا، وبين مهربين لبنانيين.. بعضهم يقيم في سوريا. وهذا بدوره يعطّل مهمة حصر السلاح بيد الدولة، التي يؤكد عليها رئيسا الجمهورية والحكومة. كما يوجد التحدّي الخاص بعدم التجانس بين أعضاء الحكومة.. ذوي الخلفيات والخبرات المتنوعة، فبعضهم انتقل من قطاع الأعمال أو قاعات التدريس، أو العمل مع المؤسسات الدولية أو مؤسسات المجتمع المدني.. إلى عضوية الحكومة بشكل مباشر. والبعض الآخر له خبرة سابقة بالعمل الحكومي.. وتنقّل بين عدة وزارات.
كما توجد خشية من استخدام وزير المالية.. حق التوقيع الثالث، لتعطيل القرارات الحكومية.. في أمور ملغومة؛ مثل القرارات الخاصة بملء الفراغات في الإدارات المختلفة. وهناك التحدّي الخاص بالاحتقان الطائفي المكتوم، الذي ينفجر بين الحين والآخر.. بسبب تصريح هنا أو هناك، وهو أمر يمكن أن يسحب طرف الخيط إلى حيث لا يريد له أحد أن يصل.
هذه التحديات المركّبة، يلزمها تقدير الحاجة لتهيئة الطريق أمام مواجهتها؛ وأول سبل مساعدة الحكومة على البدء في العمل، هو الثقة من مجلس النواب، فنتمنى ألا يطول انتظار المرور الآمن لبيانها الوزاري.
نقلاً عن «الأهرام»