Times of Egypt

سلطة الصورة الرقمية والسياسة المتغيرة

M.Adam
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح..


العالم والوعي بالذات والآخر تغير منذ التقاط جوزيف نيسيفور نيبس أول صورة فوتوغرافيا 1826، وتصميم المخترع الإسكتلندي أول كاميرا كنيتوسكوب عام 1891، والتقاط روبرت كورنيليوس أول صورة ذاتية عام 1839. أدى هذا الاختراع إلى تغير في علاقة الإنسان بذاته.. والفضاءات التي يحيا فيها، وتكرَّس ذلك وتطور مع أوجست ولويس لوميير، وجهاز السينماتوغراف عام 1895، ومع السينما الصامتة والناطقة، وتطور فن السينما ومدارسه الإخراجية وظهور التلفاز، كل هذه التطورات التقنية في مجال التصوير ساهمت – ضمن محركات ودوافع أخرى – في التأثير على الوعي بالشرط الإنساني، والوجودي، وقامت بإثراء المخيال الفردي والجماعي في كل ثقافات العالم، ونظمه الاجتماعية والسياسية حتى ظهور الهاتف النقال، وثورة الرقمنة، والذكاء الاصطناعي التوليدي، ووسائل التواصل الاجتماعي.
مرت 184 سنة منذ التقط جوزيف نيسيفور.. أول صورة شخصية، حتى تحميل أول صورة مع تطبيق إنستجرام في 17 يوليو 2010. كل هذه التطورات التقنية من الفوتوغرافيا، إلى السينما، إلى التلفزة، إلى الرقمنة.. كانت انعكاساً للثورات الصناعية، والتخصصات، والتداخل بين الرؤى البصرية، والجماعية، والتشكيلية، وبات عالم الصورة مؤثراً في الوعي الفردي، والجماهيري، وأيضاً على الوعي والسلوك السياسي، للسياسيين والزعماء في السلطة والمعارضة، في الصحف والمجلات في الماضي، وفي السينما، والتلفازات، حتى وسائل التواصل الاجتماعي.
ارتبطت الصورة الفوتوغرافية، والشرائط السينمائية، والتلفازات بمفهوم الشهرة، والذيوع، والتأثير، والعلاقات العامة، ثم مع أجهزة الدولة الأيديولوجية، على نحو ما كان سائداً في ظل الإمبراطورية الماركسية اللينية، التي كانت تعكس أيديولوجيا النظام السوفيتي، وكتلته الاشتراكية، في التعبئة السياسية، والضبط الاجتماعي والسياسي، وهو ما انتشر أيضاً في دول ما بعد الاستعمار، وحركات التحرر الوطني العالم ثالثية آنذاك. في كل النظم السياسية كانت الصور الفوتوغرافية والسينمائية والتلفازية، هي عماد الأجهزة الأيديولوجية للنظام.. أياً كانت طبيعته؛ بما فيها النظم الديمقراطية التمثيلية الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
ظهرت قوة تأثير ما يمكن أن نطلق عليه سلطة الصورة في المنطقة العربية.. مع قوات التحالف الدولي؛ بقيادة الإمبريالية العولمية الأمريكية، وضرب مناطق متعددة في العراق، وزحفها لاحتلاله، وإسقاط النظام البعثي بقيادة صدام حسين، والقبض عليه، ومحاكمته وإعدامه.. في مشهد بالغ الاستثنائية والتأثير.
أدى تطور الهاتف المحمول.. إلى تغييرات في الوعي الجمعي، والعلاقات الإنسانية، ومفاهيم الصداقة، والزمالة، والأسرة، بل والمجتمع، والعلاقات الطبقية داخله بين السراة عند قمته، والوسط، والأغلبية من المعسورين، وفي اتساع الفجوات بين هذه الطبقات، والأهم الوعي الاجتماعي، والطبقي بالاختلالات في النظام الاجتماعي.
لم يقتصر الأمر على السياسة والثقافة، بل امتد ذلك إلى تغييرات في أنماط التدين – خاصة في العالم العربي – وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي.. في توزيع الخطابات الدينية لرجال الدين الرسميين.. التابعين للسلطة السياسية والدينية الرسمية، أو دعاة الشوارع، أو الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية والسلفيات الجهادية. باتت المنشورات، والتغريدات، والفيديوهات الطلقة، والوجيزة جداً، التي يتم طرحها وتدويرها على الفضاءات الافتراضية، دعماً للمكانة، ونشر الأفكار النقلية، أو الصادمة، والمثيرة أيضاً.
لعبت الفيديوهات الطلقة، دورها في الكشف عن عمليات الإبادة الجماعية، والنزوح القسري، من المناطق المختلفة في قطاع غزة.. من قبَل الجيش الإسرائيلي، بل وفي كشف التصريحات العنصرية من بعض السياسيين الإسرائيليين.. في نظرتهم للإنسان والشعب الفلسطيني، بوصفهم حيوانات بشرية!
بينما أدت الفيديوهات الطلقة – من قبَل المقاومة الفلسطينية – إلى ترسيخ قيمتي المقاومة المشروعة، والشجاعة.. في عملياتهم تجاه القوات الإسرائيلية، وأسلحتها المدرعة المتطورة.. من المركبات والمدرعات، والدبابات الميركافا.
هذا الانعكاس التقني – في عالم الصور الرقمية، والفيديوهات الوجيزة – لعب دوراً مؤثراً على عيون وعقول ووعي مليارات الملايين.. من الجموع الرقمية والفعلية الغفيرة في المجتمعات العربية، وأيضاً في الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، وغيرهم في عالمنا؛ وهو ما حرك التظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار، والإبادة الجماعية.
ازداد تأثير وسائل التواصل، والفيديوهات الطلقة، في الكشف عن الانتهاكات الواسعة النطاق للمدنيين، والاعتداءات على النساء، وتدمير الأحياء والمدن، وذلك في أثناء الحروب الأهلية، والكشف عن مصادر الثراء الفاحش لأمراء الحرب؛من مثيل قادة قوات الدعم السريع حميدتي وأخيه… إلخ.
دور الصور الفوتوغرافية والرقمية، والفيديوهات باتت تمثل أدوات ضغط، وتأثيراً نسبياً على السياسة، والسياسيين، وأصبحت مؤثرة على الصحافة والإعلام الرقمي، وأيضاً على الصحافة الورقية، والمواقعالرقمية لبعض الصحف الكبرى عالمياً؛ كمصادر للوقائع والأحداث السياسية، والعسكرية، والاجتماعية المؤثرة.
لا يقتصر دور الصورة الرقمية والفيديوهات.. على الحروب والعنف الدموي، أو غيره من العمليات الإرهابية والإجرامية، وإنما امتد إلى الزلازل، والبراكين، والوقائع (الكوارث) الطبيعية. الدالة على اختلال النظام البيئي الكوني؛ على نحو يحفز الوعي بضرورات إعادة التوازن البيئي إلى عالمنا. كماباتت الصور والفيديوهات الرقمية أكثر تأثيراً، وتوظيفاً في طرائق تفكير، ومحفزات سلوك جيل Z، وسيتزايد تأثيرها مع أجيال الذكاء الاصطناعي التوليدي، والروبوتات، وأيضاً على وعيهم الاجتماعي والسياسي.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة