عبدالقادر شهيب..
ماذا يعني أن يسرع الرئيس الأمريكي ترامب.. بإصدار مرسوم لزيادة التعريفة الجمركية على الواردات الأمريكية من المكسيك، ثم قبل أن يبدأ تنفيذ ذلك، يُصدر مرسوماً جديداً يؤجل فيه تنفيذ قراره لنحو شهر، ويقبل بخوض مفاوضات مع المكسيك.. حول هذه الزيادة في التعريفة الجمركية والعلاقات بين البلدين؛ خاصة ما يتعلق بتهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين وإجراءات تأمين هذه الحدود؟!
هذا يعني ببساطة تراجُع ترامب.. ولو مؤقتاً، خاصة بعد أن أبدت المكسيك استعدادها للقيام باتخاذ إجراءات لتأمين الحدود المشتركة بين البلدين، من بينها زيادة عدد قوات حرس الحدود بنحو عشرة آلاف عنصر جديد. أي أنه تراجع بعد أن دفع المكسيك للاستجابة لبعض مطالبه، منها التي سبق أن رددها خلال حملته الانتخابية. والترجمة المباشرة لهذا الموقف، هو أن ترامب يمارس بدهاء.. سياسة التهويش للخصوم، وأيضاً الحلفاء.. ليحصل منهم على ما يبغيه ويريده!
ومن يتتبع خطى ترامب، سوف يتبين أنه يجيد ممارسة هذه السياسة.. وله خبرة فيها. لقد هدد منافسته هيلاري كلينتون – في انتخابات سابقة – بالسجن، لتسريب أوراق رسمية.. حتى يؤثر سلباً على أدائها الانتخابي، ليمكنه من الفوز عليها. ونجح في ذلك. وضغط على بايدن باتهامه بضعف قدراته الذهنية.. حتى انسحب من السباق الرئاسي. وعندما حلت مكانه هاريس، حمَّلها كل سلبيات حكم بايدن.. باعتبارها نائبته، وحقق فوزاً ساحقاً عليها في الانتخابات.
وهكذا، التهويش أحد أسلحته المهمة، التي يجيد استخدامها وتمرَّس فيها.
وهذا التهويش جاد، وليس من قبيل التهديد فقط. ولكنه تهديد حقيقي. أي أنه يهدد الآخرين لينصاعوا له، أو يسلموا له بما يريد. وقد يكون ما يريد شيئاً آخر غير موضوع التهديد، وإذا لم يستجبوا ينفذ تهديداته فعلاً. وقد فعل ذلك مع أوروبا في فترته الرئاسية الأولى؛ عندما أجبرها على تحمُّل أعباء الدفاع عن نفسها، والمساهمة المالية الأكبر.. في موازنة حلف الناتو. كما فعل ذلك أيضاً مع دول الخليج العربية، وها هو يفعلها في بداية فترته الرئاسية الثانية مع المكسيك.. لتبذل جهوداً أكبر في منع تهريب المخدرات لأمريكا، ومع كندا.. لتمنع الهجرة غير الشرعية لأمريكا، ومع الصين.. ليكبح جماح تقدمها العلمي في مجال التكنولوجيا المتقدمة، التي تتميز فيها، وسيكون لها تأثيرها على السباق الاقتصادي الأمريكي الصيني على المركز الأول في الاقتصاد العالمي!
وهكذا، ليس ما يهدد به ترامب دوماً.. يكون ما يريده. فهو يهدد الغير بأمور وأشياء، بينما يرمي للحصول منهم على أشياء أخرى. ولعل ذلك.. ما جعل البعض يفسر تلويحه بطلب تهجير أهل غزة لمصر والأردن، بأنه يبغي به أمراً آخر، وهو تطبيع العلاقات بين دول الخليج العربية وإسرائيل.. باعتبار ذلك يُعد الركن الأهم في صفقة القرن؛ التي تبناها في فترته الرئاسية الأولى، ويسعى لإحيائها في فترته الرئاسية الثانية.
فهو لا يحبذ الحل السياسي للقضية الفلسطينية – أي حل الدولتين الذي يُفضي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة – وإنما يطرح.. بوصفه رجل أعمال وبزنس، حلاً اقتصادياً للفلسطينيين، يعتمد على المال العربي.. بعد تطبيع علاقات أصحاب هذا المال مع إسرائيل، بما يسمح لإسرائيل بزيادة مساحتها.. التي يراها ترامب صغيرة!
وأياً كان ما يستهدفه ترامب – من مشروع التهجير – فإن هذا المشروع يندرج بالقطع.. تحت عنوان التهويش الذي يجيده، والذي هو تهويش حقيقي وجاد، أي يتضمن تهديداً للعرب جميعاً.
وما يؤكد جدية تهويش ترامب.. هي قراراته التي بدأ يتخذها؛ سواء ما يتعلق بطرد اللاجئين من بلاده، أو إلغاء مساهمة أمريكا مالياً.. في موازنة منظمة الصحة العالمية، أو الانسحاب من اتفاقية المناخ، أو بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصين لأمريكا.
ولذلك بات الجميع يأخذون تهويش ترامب وتهديداته.. بجد. وهذا ما فعلته أوروبا، التي هددها ترامب هي الأخرى.. بزيادة التعريفة الجمركية على صادراتها إلى السوق الأمريكية؛ فهي – منذ عودة ترامب للبيت الأبيض – تعقد الاجتماعات، وتُجري المشاورات.. للتصدي لهذه التهديدات. والأهم، لبحث كيف تعتمد أكثر على نفسها.. في مواجهة هجمات ترامب المالية والتجارية عليها!
نقلاً عن «أخبار اليوم»