باريس تدرس خيارات الرد على “الإهانة” الجزائرية
تتجه الأنظار في فرنسا نحو البرلمان حيث من المتوقع أن يلقي رئيس الحكومة الجديد، فرنسوا بايرو، كلمة حاسمة الثلاثاء المقبل. من المنتظر أن يطرح بايرو برنامجه الحكومي، متناولاً داخلياً وخارجياً، بما في ذلك الأزمة الراهنة مع الجزائر، التي أثارت جدلاً واسعاً على الساحة السياسية الفرنسية.
الأزمة اشتعلت على خلفية حادثة بمطار الجزائر، حيث رفضت السلطات الجزائرية استقبال المواطن الفرنسي-الجزائري “بوعلام ن”، الذي رحّلته فرنسا بعد سحب تصريح إقامته نتيجة اتهامات بالدعوة إلى العنف ضد معارضين جزائريين.
خلفيات تاريخية لعلاقات مضطربة
لطالما كانت العلاقات الفرنسية-الجزائرية محفوفة بالتوترات، متأثرة بإرث تاريخي معقد يمتد لفترة الاستعمار التي استمرت 132 عاماً. وعلى الرغم من محاولات المصالحة التي قادها الرئيسان إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون، إلا أن العلاقات الثنائية لم تشهد استقراراً حقيقياً.
الحادثة الأخيرة ما هي إلا جزء من جبل جليد أعمق من الخلافات السياسية والتاريخية. من بين الملفات الشائكة بين الطرفين: طلب الجزائر اعتذاراً رسمياً عن فترة الاستعمار، وتعويضات عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، واستعادة الآثار المسروقة. كما تطالب الجزائر فرنسا بتسليم معارضين مقيمين على أراضيها، وهو ما ترفضه باريس استناداً إلى “استقلالية القضاء”.
تصعيد الصيف الماضي وزيادة التوتر
الأزمة الحالية تعود جذورها إلى يوليو الماضي، عندما أعلن الرئيس ماكرون دعمه لسيادة المغرب على الصحراء الغربية في رسالة رسمية للملك محمد السادس. هذا الموقف اعتبرته الجزائر انحيازاً مغربياً، مما أدى إلى تصعيد دبلوماسي شمل استدعاء سفيرها في باريس وتجميد العلاقات الثنائية في عدة مجالات.
كذلك، زاد خطاب ماكرون مؤخراً من الاحتقان، عندما وصف احتجاز الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال بأنه “عار” و”عمل تعسفي”، ما اعتبره الجانب الجزائري تدخلاً غير مقبول في شؤونه الداخلية.
فرنسا تبحث عن أوراق ضغط
على إثر التصعيد، بدأ وزراء وسياسيون فرنسيون في طرح أفكار للرد على “الإهانة الجزائرية”. وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، كان من بين أول المبادرين، داعياً إلى “درس جميع وسائل الانتقام”، بما يشمل تعليق اتفاقية 1968 التي تمنح الجزائريين تسهيلات خاصة للإقامة والعمل في فرنسا.
وزير الخارجية، جان نويل بارو، اقترح بدوره تقليص التأشيرات ومراجعة برامج المساعدات التنموية المقدمة للجزائر، مشيراً إلى إمكانية الضغط عبر الاتحاد الأوروبي لتعطيل مفاوضات اتفاقية التجارة مع الجزائر.
أما وزير العدل، جيرالد درامانان، فاقترح إلغاء اتفاقية 2013 التي تمنح النخبة الجزائرية، بمن فيهم حاملو الجوازات الدبلوماسية، دخول فرنسا دون تأشيرة. واعتبر درامانان أن هذه الخطوة ستكون “ذكية وسريعة التنفيذ”.
أزمات اقتصادية وتجارية
إلى جانب التوترات السياسية، ترى باريس أن العلاقات الاقتصادية مع الجزائر لا تسير في الاتجاه الصحيح. تشير الحكومة الفرنسية إلى تماطل الجزائر في دفع مستحقات الشركات الفرنسية، وعدم تعاونها في قضايا القنصليات، مثل استقبال الجزائريين الذين فقدوا حق الإقامة في فرنسا.
بينما تبدو باريس مصممة على اتخاذ خطوات حازمة، فإن بعض الدبلوماسيين يرون أن التصعيد قد يؤدي إلى تفاقم التوترات. سفير فرنسي سابق أوضح أن العلاقات الثنائية شهدت موجات متكررة من التوتر على مدار العقود الماضية، لكن الطرفين حرصا دائماً على حماية مصالحهما المشتركة.