أمينة خيري
«على الفور، تحرك القطاع الديني بوزارة الأوقاف للنظر في الواقعة، (تطاول صبي على النبي، صلى الله عليه وسلم، وتحليل محتوى المقطع.. الوارد في خطبة من أعلى المنبر، وفتح تحقيق في الجوانب الفكرية والإدارية ذات الصلة». ورأت وزارة الأوقاف «في ذلك المسلك تطاولاً لا يُغتفر.. وجهلًا بمقام المولود، أفضى إلى إساءة». وقالت الوزارة إنها تحمد الله تعالى على «تلك الهَبَّة التي عمَّت الأجواء.. إنكاراً لهذا التطاول».
«واقعة» اعتلاء صبي منبر مسجد، وخطبته في جموع المصلين، وتطاوله على مناسبة المولد النبوي الشريف – وهي القومة التي تقومها كل التيارات الدينية المتطرفة والعنيفة، والكارهة للحياة والرافضة لكل من لا يتطابق معها في الشكل والجوهر – أقامت الدنيا، ولكن الدنيا ستقعد، وستعود إلى سباتها العميق بعد قليل، إن لم يكن ساعات، فبضعة أيام تقل عن أسبوع على أكثر تقدير.
على هامش هذه «الواقعة»، أقول: هذه ليست واقعة، هذه ظاهرة تحولت إلى «العادي المعتاد والمقبول والمنتشر والمبارك والمرحب به». بالطبع لا أتحدث عن الإساءة للنبي، صلى الله عليه وسلم، أتحدث عن حديث متشدد متطرف شعبوي.. يدغدغ مشاعر بسطاء الفكر والتعليم والاقتصاد، الباحثين عن أي معنى وقيمة وتفرد لحياتهم، ولم يجدوا سبيلاً لذلك إلا اعتناق نسخة مشوهة من التدين العنيف. وهي «واقعة» تعكس تمدداً وتوسعاً وتوغلاً وتغولاً.. لموجة حديثة من «سلفنة» الشارع المصري، أشرت إليها مراراً هنا، ومتروكة دون ضابط أو مواجه. وأشير هنا إلى أن موجة «السلفنة».. هذه باتت تصل وتصيب وتخترق غير البسطاء، لأسباب تحتاج دراسة سوسيولوجية ونفسية عميقة وسريعة، لو كانت هناك رغبة لوقف عملية «الأفغنة».
السببان الرئيسيان الوحيدان.. اللذان أوصلا «الواقعة» إلى مشارق مصر ومغاربها هما: أن التعدي وُجِّه إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنه تم تصويرها وتحميلها على منصات السوشيال ميديا. وأقول إن هذه «الواقعة» نقطة في بحر.. مما يحدث على مسمع ومرأى، وربما مباركة كبيرة من نبض الشارع الباحث عما يتعلق به في خضم مصاعب الحياة.
كتبت كثيراً في الفترة الماضية عن ظاهرة عودة «الزوايا» – حيث فرشات الصلاة في باحات مراكز تجارية صغيرة – بدأت بسجادة صلاة، ثم توسعت لتصبح حصيراً متمدداً، وصلاة جماعة تتوسط هذه الأماكن، رغم وجود مساجد على مرمى حجر منها. هذه الزوايا – وإن لم تكن قد وصلت إلى مرحلة «دروس الدين» بعد – لكنها في طريقها إلى ذلك. وكتبت عن ملصقات «تعليم أحكام الفقه والشرع والتلاوة».. على جدران غير معروفة المصدر، ولكن تلقى هوى لدى كثيرين بحُسن نية.
وأعود إلى الواقعة التي انتشرت، لأن المتعدَّى عليه هو النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن لو بحثنا فيما قاله هذا الصبي.. وأمراؤه من قبل، سنجد قوائم من المتعدى عليهم، ولكن لم يلفتوا الانتباه كثيراً، لأنهم ربما مجرد نساء، أو منتمون لديانات أخرى.
الوزارة قالت.. إن الصبي لا ينتمي للأوقاف، وأقول إن الصبي مجرد نقطة في بحر هائج. وأضيف أن الكتاتيب.. ستفاقم الأمر، وليس العكس.
نقلاً عن «المصري اليوم«