عبدالله عبدالسلام
اعتاد الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل، أن يؤكد أهمية الخرائط.. قائلاً: «لا يمكن فهم سياسة بدون خريطة». كان يستشهد – من حين لآخر – بنصيحة الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديجول.. عن ضرورة النظر إلى الخريطة؛ كي نعرف عما نتكلم، وتأكيده صعوبة صنع السياسة دون الاستناد إليها. بالنسبة لديجول وهيكل.. الخريطة أداة فهم ومعرفة، لكنها عند نتنياهو سلاح من أسلحة الحرب. في الفترة الأخيرة لا يكاد يمل من تكرار زعمه، أن: «قراراتنا، وشجاعة جنودنا.. أعادت رسم خريطة الشرق الأوسط، لكن العمل عن كثب مع الرئيس ترامب، سيمكننا من إعادة رسمها أكثر وعلى نحو أفضل».
قليلة هي مناطق العالم التي شهدت تغييراً – بالحذف أو الإضافة – على الخرائط، كما حدث للشرق الأوسط خلال المائة عام الأخيرة أو يزيد. عقب الحرب العالمية الأولى، أعادت بريطانيا وفرنسا رسم خريطة بلاد الشام والهلال الخصيب.. على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. كان يكفي قيام ونستون تشرشل – وزير المستعمرات البريطاني آنذاك، رئيس الوزراء فيما بعد – برسم خط على الرمال.. حتى تتغير الخريطة، وتنشأ دولة، أو يتم ضم مساحة كبيرة من الأراضي إلى دولة أخرى.
بمجرد قيام الكيان الغاصب عام 1948، أعادت إسرائيل رسم خرائط المناطق التي استولت عليها. أسماء عبرية للقرى والبلدات.. حلت محل العربية على الخريطة. وكلما قضم جيش الاحتلال مساحات أكبر، تغيرت الخرائط.
لم تعد تعكس الوضع الجديد فقط، بل الادعاءات التاريخية أيضاً.
ظهرت خريطة إسرائيل الكبرى «التوراتية» المزعومة، التي تمتد من النيل إلى الفرات. سيطرت الرؤية اليمينية المتطرفة على رسم الخرائط الإسرائيلية.. كما تقول كريستين لوينبرجر؛ المُحاضِرة البارزة في جامعة كورنيل الأمريكية. حاول معسكر السلام الإسرائيلي مواجهة ذلك، لكن تشدد المجتمع الإسرائيلي جعل حرب الخرائط غير متكافئة. من جانبهم، نشط رسامو الخرائط الفلسطينيون في وضع خرائط تحتفظ بالأسماء الفلسطينية، وتؤكد فلسطين التاريخية، التي تمتد من نهر الأردن شرقاً حتى «المتوسط» غرباً.
العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، أعطى ذخيرة جديدة لسلاح الخرائط الإسرائيلي.
في ديسمبر 2023، نشر جيش الاحتلال خريطة إخلاء قسمت غزة إلى 623 منطقة، ويمكن للفلسطينيين الاتصال عبر الإنترنت، لمعرفة ما إذا كان الحي الذي يعيشون فيه مطلوباً إخلاؤه أم لا! استخدمت إسرائيل أيضاً الخرائط.. لتحديد أماكن شَنّ الغارات، وعمليات الإنزال البري.. لإقناع العالم بحرصها على حماية المدنيين، الذين شكلوا الغالبية الكبرى من ضحاياها. لم يتوقف الأمر عند ذلك.
تقريباً – كل عام – يقف نتنياهو على منبر الأمم المتحدة.. ومعه خرائط، يحذف منها مناطق كاملة، وفي مقدمتها غزة والضفة، وأحياناً جنوب لبنان، ويضمها إلى إسرائيل.
في سبتمبر الماضي، لوَّح بخريطتين، الأولى خريطة الخير والأخرى للشر. الآن، نحن في طريقنا إلى خريطة «مشتركة» – من تأليف ترامب ونتنياهو – تظهر فيها غزة محمية أمريكية، والضفة الغربية جزءاً من إسرائيل.
لم تعد الخرائط علماً محايداً.. يصف الواقع. إنها أداة حرب.. ليس لتغيير الحدود فقط، بل لقتل وترحيل الشعوب أيضاً.
نقلاً عن «المصري اليوم»