محمد إبراهيم بسيوني*
بينما تنهار أنظمة الصحة فى بعض الدول.. بفعل الحروب أو الكوارث الطبيعية، تعانى مصر من انهيار صامت.. سببه هجرة العقول؛ وفى مقدمتها العقول الطبية. نحن اليوم أمام مأساة وطنية، لا يليق السكوت عنها. فالأطباء الذين قضوا سنوات من أعمارهم فى الدراسة والتدريب، باتوا يهربون من أوطانهم؛ لا طمعًا فى مال، بل طلبًا لكرامة مهنية وإنسانية.
ليس من المقبول أن يكون متوسط دخل الطبيب فى مصر.. لا يكفى لحياة كريمة، بينما يُطالب بأن يضحى، ويعمل بلا أدوات، ويتعرض للاعتداء أحيانًا، ثم يُلام إن فكر فى الهجرة. الطبيب ليس قديسًا منزّهًا عن حاجات البشر، ولا عبدًا لنظام لا يرحمه. لكن الأخطر من كل هذا أن الحكومة.. لم تضع بعد خطة قومية واضحة لمواجهة هذا النزيف. نقابة الأطباء تصرخ بالأرقام، وتُظهر التراجع المستمر فى أعداد الممارسين الفعليين داخل مصر، ولا مجيب.
نحن جميعًا أطباء ونعانى منذ سنوات، ولايزال والسكوت عن هجرة الأطباء.. نوع من الرضا الضمنى بالظلم الواقع عليهم.. وعلى المريض المصرى فى الوقت ذاته. أليس من المعروف أن الطبيب يُحترم؟ أليس من المنكر أن يُهان الطبيب، ويُزج به فى ظروف مهينة؟ أين صوت العقلاء؟ أين النخبة؟ أين الإعلام؟.
الحلول ليست مستحيلة
1- إصلاح الرواتب: ليس رفاهية، بل ضرورة. الطبيب الذى لا يأمن مستقبله لا يستطيع أن يهب وقته وصحته لغيره.
2- حماية الأطباء قانونيًا: لا يجوز أن يتعرض الطبيب للإهانة دون رادع، ولا أن يحاسب على خطأ مهنى فى غياب أدوات العمل السليمة.
3- الاستثمار فى التدريب والتخصص: ليست الدول الكبرى أغنى منا فى الموارد، بل فى تقديرها لعقول أبنائها. إن إنقاذ ما تبقى من أطباء مصر واجب وطنى ودينى وأخلاقى. وإن الاستمرار فى هذا الصمت الجماعى خيانة للأمانة، وخذلان للضعفاء من المرضى الذين لا يملكون إلا مستشفى حكومى وطبيبًا صابرًا. فلنقلها بصوتٍ واضح: أكرِموا الطبيب فى وطنه، قبل أن يكرمه الغريب فى الغربة.
- عميد طب المنيا الأسبق
نقلاً عن «المصري اليوم»