Times of Egypt

نقاط فوق حروف العدوان على إيران

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد


أكتب عن هذا العدوان، بعد أن هدأت الأمور مؤقتاً. وأقول مؤقتاً.. لأن إسرائيل نجحت بامتياز -بأفعالها في الآونة الأخيرة – في أن تؤسس لاستدامة الصراع في الشرق الأوسط لعقود؛ بينها وبين الجميع تقريباً؛ فلم يعد الصراع بينها وبين المقاومة في فلسطين، أو لبنان، أو «أنصار الله» في اليمن.. فحسب، وإنما مدَّت نطاقه ليشمل إيران؛ في محاولة لتصفية مشروع وطني إيراني.. موجود من زمن الشاه.
وسيستمر هذا السلوك – المعجل بنهاية إسرائيل – طالما بقيت هذه الحفنة من المتطرفين (المهووسين أيديولوجياً ودينياً).. على رأس الحكم فيها، وإن كان العدوان على إيران يحظى بإجماع وطني شبه كامل.
ليس الهدف من هذه المقالة.. تقييم نتائج العدوان على إيران، فمازالت المعلومات ناقصة من الجانبين.. لاعتبارات أمنية وسياسية مفهومة، وإنما الهدف هو المشاركة في الجدل حول موقفنا مما جرى، ويمكن أن يُستأنف لاحقاً؛ وهو موقف يعارض العدوان بشدة رسمياً وشعبياً، باستثناء بعض الآراء التي لا أدعي معرفة وزنها – التي كان واضحاً أنها تؤيد إسرائيل فيما أقدمت عليه، أو على الأقل لا تناصر إيران ضد العدوان عليها – وأثارت هذه الآراء في هذا السياق.. حجتين أساسيتين. أولاهما: أن أكثر من بلد عربي قد عانى وتضرر من ممارسات النظام الإيراني. والثانية: أن البرنامج النووي الإيراني يضر بالأمن القومي العربي.
والحقيقة، أن الإشكالية المتضمنة في تعقد الموقف.. الواجب اتخاذه من العدوان على إيران، ليست جديدة. إذ يبدو أن زمن «الأبيض والأسود» قد انتهى، ليحل محله زمن آخر.. تتعقد فيه خيوط القضايا.. ما بين الصواب والخطأ؛ بحيث يصعب اتخاذ مواقف سهلة ومبسطة تجاهها. وربما كان الغزو العراقي للكويت عام 1990.. أشهر مثال على هذه النوعية من المواقف؛ فلم يكن هناك أدنى شك.. حول لا شرعية الغزو، لكن الجدل ثار حول ملاءمة الاستعانة بقوات أجنبية.. لتصفيته. كذلك فإن أحداً لا يختلف على أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا – التي بدأت عام 2022 – غير مشروعة.. بمعايير القانون الدولي، لكن الاستفزازات الغربية والأوكرانية لروسيا، والأصول الروسية لسكان شرق أوكرانيا.. عقدت من الموقف كثيراً.
وكان هناك دائماً تأييد عربي واسع.. لمقاومة «حزب الله» لإسرائيل – وبالذات في التحدي لعدوانها على لبنان 2006 – لكن بعض ممارساته الداخلية في لبنان، وسياساته خارجها.. كانت موضع اعتراض. وكذلك حظيت حماس بتقدير واسع لنضالها البطولي ضد إسرائيل، لكن هناك من يُذَكِر دائماً.. بانتمائها لجماعة «الإخوان المسلمين»، التي اصطدمت بنظم الحكم في عدة بلدان عربية – ومنها مصر بطبيعة الحال – ولا تخفى أهمية بلورة منهج موضوعي.. للتعامل مع هذه المواقف المعقدة.
ونقطة البداية في هذا المنهج، هي التفرقة.. بين التناقضات الرئيسية، والتناقضات الثانوية.
فلا يخفى اختلاف أغلبية كبيرة من العرب.. مع المشروع الإيراني، وممارساته الخارجية، وبالذات.. تجاه دول عربية بعينها. لكن هذا الاختلاف يُعد تناقضاً ثانوياً، إذا قورن بالتناقض العربي-الإسرائيلي. ويعني هذا، أن وقوفنا إلى جانب إيران ضد عدوان إسرائيل وغيرها.. لا يعني – من قريب أو من بعيد – تأييد المشروع الإيراني في الوطن العربي. وإنما معناه الوحيد، هو العمل على محاصرة التهديدات الإسرائيلية للأمن العربي.
وهنا أيضاً، أستعيد فكرة أستاذي حامد ربيع – رحمه الله – عن «الموقف العام»، و«الموقف الخاص». فنحن نختلف مع المشروع الإيراني الإقليمي بصفة عامة، لكننا نلتقي معه في موقفه الخاص بالكيان الإسرائيلي. أما القول إن القنبلة النووية الإيرانية خطر على العرب، فإن الرد عليه بسؤال بسيط للغاية: وهل انفراد إسرائيل بالخيار النووي، يعمل لصالحهم؟
من الواضح إذن، أن نقطة الأساس في الموقف المصري والعربي.. من العدوان، هي التحدي للتغول الإسرائيلي على المنطقة؛ فلم تكتفِ إسرائيل بمذابحها البشرية، وأعمالها التدميرية في غزة والضفة، وإنما مدَّت عدوانها إلى لبنان وإلى «أنصار الله» في اليمن. وقد يقول قائل إن إسرائيل كانت تدافع عن نفسها.. بمحاولة إسكات مصادر مقاومتها، فما الرأي فيما فعلته في سوريا.. التي لم يدع حكامها الجدد مجالاً لشك.. في نواياهم السلمية تجاه إسرائيل، فكان جزاؤهم هو إلغاء اتفاقية فض الاشتباك 1974، واحتلال المنطقة العازلة وموقع جبل الشيخ الاستراتيجي. والأخطر تدمير الجيش السوري، ومصانعه العسكرية، ومراكزه البحثية بالكامل.
ولا يمل نتنياهو.. من القول إنه قد غيَّر الشرق الأوسط، بل لقد بدأ – بعد عدوانه على إيران – يتحدث عن تغيير العالم برمته. وهذا هو مكمن الخطر، وهو السبب في أن خيارنا الوحيد.. هو منع نتنياهو من تحقيق أوهامه الخطيرة، لأنها تضرب في الصميم أمن دول المنطقة، وتهددها بنظام أمني.. يكون فيه لإسرائيل – وحاميتها الأمريكية – اليد العليا ،الساعية لفرض إرادتهما على المنطقة دولة بعد الأخرى.
لقد أصبح واضحاً للغاية.. أن المصدر الرئيسي لانعدام الأمن، وعدم الاستقرار، والصراعات الدموية المدمرة في المنطقة.. هو إسرائيل. ولقد لاحظتُ أنه – كما تكشفت حقيقة إسرائيل أمام العالم.. نتيجة أعمالها الإجرامية في غزة – فإن أصواتاً بدأت تدرك خطورة النهج الإسرائيلي.. بعد العدوان الأخير على إيران؛ بما في ذلك أصوات قوية.. داخل الولايات المتحدة ذاتها، بل وداخل قاعدة مؤيدي ترامب أنفسهم.
لكن النظم الاستعمارية العنصرية.. تعجز – دائماً – عن إدراك أنها.. بممارساتها العدوانية، تحفر قبورها بنفسها. وأنها – كلما بالغت في هذه الممارسات – زادت من اتساع الدوائر الرافضة لسياساتها. وعلى سبيل المثال، فإني لم أرَ – في حياتي – الرأي العام المصري.. ملتفاً حول الشعب الإيراني، كما رأيته في هذه المواجهة الأخيرة. ولا شك في أن العقلاء في إسرائيل.. يدركون خطورة ذلك، لكن صوتهم لم يؤثر بعد في مجريات الأمور، وإن غداً لناظره قريب.
نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة