Times of Egypt

نقاش حول سوريا ومستقبلها «1-2» 

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد 

في إطار الموسم الثقافي لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، دعت رئيسة القسم المتميزة الدكتورة أماني مسعود.. إلى عقد ندوة بعنوان «المشهد السوري في واقع إقليمي معقد». تحدَّث في الندوة السفير المرموق رمزي عز الدين؛ الذي شغل منصب نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا في الفترة بين 2014 2019، وأدار الندوة أستاذ العلاقات الدولية القدير الدكتور أحمد يوسف أحمد، وتوليتُ مهمة التعقيب. 

ولعل أول ما يُلاحظ على هذه الندوة.. هو أنها استفادت من الخبرة العملية المباشرة، التي توفرت في المتحدث الكريم؛ بما جعله قادراً على تقديم صورة دقيقة وشاملة للقضية السورية، وهذا أمر بالغ الأهمية.. بالنظر إلى كثرة المكتوب عن سوريا، وقلة العارفين بدخائلها. كما أن انعقاد الندوة – في هذا الإطار الأكاديمي، وبمشاركة أجيال مختلفة.. من الرعيل الأول، وشباب أعضاء هيئة التدريس – إنما يعيد الألق لقسم العلوم السياسية. ومن مجمل النقاش الدسم – الذي امتد قرابة الساعتين – أكتفي بالتركيز على نقطتين أساسيتين.. كانتا محوراً للتفاعل والنقاش؛ النقطة الأولى: تتعلق بعدم استقرار الأوضاع في سوريا وغموضها. والنقطة الثانية: هي استشراف مستقبل سوريا.  

أما الغموض وعدم الاستقرار، فإن أحد أهم مصادره هو الوضع الاقتصادي القائم، الذي وصفه المتحدث بأنه أسوأ مما كان عليه الحال قبل الثامن من ديسمبر 2024، مشيراً إلى وجود ما يشبه التوقّف التام في الحركة الاقتصادية.. بسبب ضعف الإنتاجية، والتدهور الشديد في القدرة الشرائية للمواطنين. فعلى الرغم من فتح أبواب الاستيراد على مصراعيها، إلا أن تسريح مئات الآلاف من العاملين في الجيش والشرطة والجهاز الإداري.. أسهم في زيادة ارتفاع معدلات البطالة. ومن بين ما ذكره المتحدث – في الجزء الخاص بالاقتصاد – انخفاض قيمة تحويلات السوريين العاملين بالخارج.. مقارنةً بالأعوام السابقة في نفس التوقيت. ومعلوم أن هذه التحويلات تمثل مصدراً مهماً.. من مصادر الدخل القومي السوري. 

من جهة أخرى، ما زالت العقوبات الاقتصادية الدولية تخنق الاقتصاد السوري؛ فمع أن أوروبا خففت بعض العقوبات.. بعد سقوط بشار الأسد، إلا أن العقوبات الأمريكية تظل هي الأكثر تأثيراً، وهي عقوبات.. لا يبدو في الأفق المنظور أنها ستُرفع. بعد أن قدّمت الإدارة الأمريكية سلة من الشروط الواجب استيفاؤها.. قبل النظر في تطبيع العلاقات مع دمشق ورفع العقوبات؛ وأحد أبرز هذه الشروط يكاد يكون من المستحيل على الإدارة السورية الحالية تلبيته، لأنه يقضي بالاستغناء عن المقاتلين الأجانب. وهنا، ذكر المتحدث أن نسبة المقاتلين الأجانب في هيئة تحرير الشام – المهيمنة على مفاصل الدولة، ومنها الجيش – تبلغ نحو 30%، وبالتالي فإن أي محاولة للتخلص منهم.. قد تُفضي إلى الانقلاب على الرئيس. وهذا سيناريو وارد، وجرت مناقشته مع الحضور ويمثل أحد مصدرين محتملين للانقلاب العسكري. 

أما المصدر الثاني، فهم الضباط السابقون في جيش بشار الأسد المنحل.. الذين قد يعيدون تنظيم أنفسهم بعد تجربة الساحل السوري، لينطلقوا من الساحل صوب العاصمة دمشق؛ مستفيدين من تأجج مشاعر العلويين ضد السلطة القائمة. يضاف إلى ذلك، أن حزمة المساعدات الاقتصادية – التي قرّرها مؤتمر بروكسل الشهر الماضي – سيتجّه معظمها للمجتمع المدني السوري، وليس لسلطة دمشق.. لحين التأكّد من توجهاتها العملية. 

وأثارت هذه الملاحظة – بالتحديد – نقاشاً من الحضور.. حول حدود قدرة المجتمع المدني على التأثير في المشهد السوري، وهي قدرة – حسب المتحدث – تبدو محدودة، رغم وجود محاولات لدعمه؛ سواء من أوروبا، أومن قبل رجال أعمال سوريين. ومما يجدر ذكره، أن رجل الأعمال السوري أيمن أصفري – الذي لقبه البعض بـ«حريري سوريا» ورشحته عدة مصادر لتولي رئاسة الحكومة السورية.. قبل أن يتولاها رئيس الدولة بنفسه – يقوم بدور مهم في مجال استنهاض المجتمع المدني السوري. 

لكن هذا الاستنهاض.. محكوم – ومقيَّد – بالقواعد الحالية.. المنظِّمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، التي لا تكاد تختلف عن تلك التي كانت سائدة في ظل نظام بشار الأسد. يضاف إلى ذلك، أنه بعد حل كل التشكيلات السياسية القائمة، لم ينتظم السوريون بعد في أطر حزبية، ولا صدر أصلاً.. قانون الأحزاب الذي أشار له الإعلان الدستوري. 

أما عن المصدر السياسي لعدم استقرار الأوضاع السورية وغموضها، فإنه يتمثل في خروج مناطق كبيرة من الأراضي السورية عن نطاق سيطرة حكومة دمشق. وهنا ميّز المتحدث بين ما تتمتع به حكومة دمشق من سيطرة في مناطق معينة، وما تتمتع به من نفوذ في مناطق أخرى. أما السيطرة فإنها متحققة للحكومة الحالية.. على المنطقة الممتدة من دمشق إلى حلب، وأما النفوذ فإنه متحقق لها في منطقتي الساحل والجنوب. والفارق بين الحالتين، هو أنه في الحالة الأولى تُحكِم حكومة دمشق قبضتها على أرض الواقع، وتسيطر على الأمن. أما في الحالة الثانية، فإن حكومة دمشق تملك نوعاً من التأثير على الأوضاع.. من خلال بعض موظفيها في الجهاز الإداري، وعدد من الفصائل المؤيدة لها. لكن هذا التأثير – في حد ذاته – لا يُمكّنها من التحكُّم والإدارة الفعلية وحفظ الأمن، بل إن قوات الحكومة لا تستطيع الدخول أصلاً.. إلى منطقة السويداء – على سبيل المثال – دون الحديث عن منطقة شرق الفرات.. الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية.  

هذا القصور – الذي تعاني منه حكومة دمشق – يعد ضمن أزمات التنمية السياسية.. التي قد تواجهها أي دولة، وتلك هي التي نطلق عليها «أزمة التغلغل»؛ أي عدم قدرة الدولة على الوصول إلى كافة أنحائها، ولا بسط سيادتها على مختلف أراضيها. وخطورة هذه الأزمة، تكمن في أن المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، يمكن أن تكون معاقل للتمرد.. في الحد الأدنى. أو أقاليم جاهزة للانفصال عن الدولة.. في الحد الأقصى.  

وعلى ضوء هذا الوضع، اعتبر بعض المشاركين أنه.. رغم خطورة التحديات الإقليمية التي تواجهها سوريا، إلا أن الوضع الداخلي – بأبعاده السياسية، وأيضاً الاقتصادية – يظل هو التحدي الأهم أمام حكومة دمشق. والحال هكذا، كيف يمكن استشراف مستقبل سوريا وسيناريوهاته المستقبلية؟ 

… هذا هو موضوع مقال الأسبوع القادم بإذن الله. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة