Times of Egypt

نصيحتي للتيار السلفي والمريدين والساخطين 

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان

عليهم جميعاً.. ألا يكتفوا بإطلاق سهام التشنيع والتجريح والطعن، ورمي الناس بتهم الزندقة والردة والتكفير على كل من خالفهم الرأي، أو تلفيق تهمة هدم ثوابت الدين الحنيف.. لكل من حرص على استبعاد الخرافات والأباطيل عنه، أو تأثيم كل من اجتهد في التفسير أو التأويل.. من غير المتخصصين؛ على اعتبار أن هذه مهنة وحرفة الراسخين في العلم.. (زعماً أنهم أولى الناس بهذا العلم دون خلقه)، إذا ما حاولوا أن يجدوا مخرجاً ييسر على الناس.. دون عسر نعيشه ونلاقيه، أو مطاردة وملاحقة كل مجتهد له الحق في الاجتهاد بالسجن، أو بازدراء الدين، أو فصله من العمل، أو التفريق بينه وبين زوجه، أو نفيه من البلاد. ولنا في هذا نصيب وافر في تاريخنا القديم والحديث، حتى أننا لا نذكر مثالاً واحداً لمفكر أو مبدع.. جال بخاطره كيفما شاء، دون ملاحقة أو مطاردة أو حبس؛ سواء من داخل أو خارج المؤسسات الدينية، لتظل لهم الغلبة والهيمنة على عقول الناس. 

وأنصح هذا التيار السلفي – ومن على هواه، أو على شاكلته – أن يلتزم أولاً: بالحوار العقلاني والمناقشة الحرة، دون ضغوطات (شعبوية) تستفز فئات من البسطاء.. على حماية الدين من الكفر والكافرين، فتفسد أجواء الحوار وتضيق عليه وتحاصره، وهم يعلمون فائدة هذا الاستفزاز، حين يفضّل المحاور – أو يرجح التهدئة والسكون – مخافة أن تطوله سهام الغدر والخسة والخيانة.. هو أو أبناؤه، أو تصيبه صائبة مما قد أصابت غيره.. من الجهلاء الذين لا يقرأون.

 وعليه ثانياً: الكف والاستغناء عن أسلوبه المؤسف.. حين يستخدم سلاح البحث والتفتيش عن عيب أو مثلبة في شخص صاحب الفكر، أو النبش في ماضي وتاريخ من تجرأ وناقش، حتى تكون مدعاة لتشويه تاريخه أو تاريخ أسرته وأولاده.. دون النظر لما قاله ودون مناقشة أفكاره. وللأسف، فإن هذا النوع من التسفيه والتشويه دون سند أو دليل، يعتبرونه انتصاراً مؤزراً وحكمة بالغة. وهذا مطلب جد خطير، فهو يفقدهم أهم أدواتهم الفعالة، فإن كانت هذه القاعدة الشعبية إحدى أدواته – حين يريد استنفارها واستفزازها وتحريضها – فهي في نفس الوقت أكبر سوق لتجارته الرابحة، فهو في تحريضه هذا وتجييشه، يُشعرها بأهميتها، ومسؤوليتها في الدفاع عن دين الله، ورفع رايته والقتال في سبيله، ومن ثم تزداد القاعدة وتتضاعف وتنمو وتزدهر، وتثمر ثمارها، وتؤتي أكلها رغداً، وتتعاظم أموالهم وثرواتهم وقصورهم، ويلتحق أولادهم لدراسة العلوم الحديثة في دول الغرب، ويعيشون في كنفها وتحت رعايتها. 

أما عن التشويه والتشنيع والتجريح، فهي أهم أدواتهم المعتبرة، التي تجد لديهم تأصيلاً فقهياً معتبراً.. حتى لو كان على كذب وضلال. أما عن القاعدة الشعبية الشغيلة المنتجة، فتظل كما هي.. حبيسة سجونهم، لا يمدون أيديهم أو عيونهم إلى فضلهم وكرمهم، وما متعوا به مشايخهم، على وعد أن الآخرة خير وأبقى لهم.. مما ينظرون. 

وأنصحهم ثالثاً: أن يكفوا عن هذا الادعاء، الذي يغلقون به أبواب الاجتهاد والبحث.. بحجة لزوم التخصص لمن يحاول أو يجتهد؛ التي تبدأ عادة بسؤالهم الممل الرتيب عندهم جميعاً (ماذا لو أصبت بمرض إلى من تلجأ؟ فتجيب ببرود: الطبيب، وماذا لو أردت بناء بيت إلى من تقصد وتتوجه؟ فتجيب بأكثر من الرتابة: المهندس)، وتكون نتيجة هذه المقدمات، أن علوم الدين من التخصصات التي لا يطرق بابها إلا المتخصصون منهم، ونحن العوام علينا السمع والطاعة، امتثالاً لقول الله (اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). 

وأود أن أشير إلى أن المقصود بأهل الذكر هنا.. ليس كما يزعمون بالمتخصصين في العلوم الدينية، لكن المقصود بهم: «عن سفيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) قال: سمعنا أنه من أسلم من أهل التوراة والإنجيل، وذلك لتأكيد نبوة النبي.. كما جاء في كتب (الذكر)»، وكل التفاسير لا تخرج عن هذا، وليس لمشايخنا صلة بهذا الذكر، فضلاً عن أن مهنة رجل الدين حديثة العهد بالإسلام، ولم يعرفها المسلمون الأوائل، وهي حرفة صنعوها للتكسب والارتزاق. أما عن الفقهاء، فإن أحمد بن حنبل كان يأكل من كد يده، وتعلم على يد مشايخ دون أجر. وأبو حنيفة النعمان (إمام الأئمة) كان تاجراً، وغيرهما من كان يقبل العطايا من الخلفاء.. ليعيش ويحيا. وتدارسوا علوم الدين على يد بعضهم البعض. 

الإمام أبو حنيفة النعمان.. هو أول الأئمة الأربعة، تعلم على يد مشايخ من تابعي التابعين، والتقى بالإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة وعلمه. والإمام محمد بن إدريس الشافعي كان تلميذاً للإمام مالك، ومعلماً للإمام أحمد بن حنبل. والعلوم الدينية ليست علوماً تجريبية.. تحتاج رخصة لمزاولة المهنة، ولا تخرج عن القراءة والبحث والتقصي وجمع المعلومات.. وهي متاحة، هل رمى أحدهم عباس محمود العقاد بتهمة عدم التخصص، وكان موسوعة شاملة؟

 ولا أظن أن ما يكتبه التنويريون على الساحة مريح وسهل، بل هي كتابات تخض وتزعج وتهز أفكارهم هزاً، وتؤرق مضاجعهم، وتزلزل ما كان قائماً وما استقروا عليه، ولا أتصور أن كتابات بهذا العمق والتقصي.. لا تحتاج إلى محاورة ذكية، ونقاش جاد.. بعيد عن التجريح والتعالي والإسفاف. 

(الدولة المدنية هي الحل).

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة