Times of Egypt

نحو شرق أوسط جديد.. هدف واحد ووسائل مختلفة (2-2)

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد

انطلق مقال الأسبوع الماضي، من أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان على خلق حالة من الفوضى داخل الدول العربية، وبين بعضها البعض، وذلك بما يوفِّر البيئة المناسبة لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية على عموم المنطقة. وذهب المقال أيضاً إلى أنه رغم الاتفاق بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي في نفس الهدف، فإن الولايات المتحدة لديها نوع من المرونة في اختيار وسائل تحقيقه، بمعنى أنها لا تتبنى التفكيك.. كوسيلة بالضرورة لتحقيق الهيمنة الإسرائيلية، وذلك على الرغم من أن الحالة السورية – في وضعها المحتقن الراهن – تبدو حالة مثالية لتقسيم الدولة.. إلى عدة كيانات للدروز والأكراد والعرب وربما للعلويين أيضاً.

ويكمن التفسير في أن المصلحة الأمريكية الحالية.. تهدف لإنجاح النموذج السوري في الداخل، بل وتراهن عليه للتمدد على حساب دول الجوار العربي. ولا يوجد ما يمنع أبداً من أن يرى دونالد ترامب أن إسرائيل دولة صغيرة المساحة، تحتاج إلى التوسع الجغرافي على حساب جيرانها العرب، وفي الوقت نفسه لا يتورع مبعوثه الخاص للبنان وسوريا توماس باراك.. عن التهديد المبطَّن بتوسع سوريا – التي تزيد مساحتها على 185 ألف كيلومتر مربع – على حساب لبنان.. الذي تزيد مساحته قليلاً على 10 آلاف كيلومتر مربع! 

فهذا التناقض هو جزء من الازدواجية في المعايير الأمريكية، وتغييب قواعد القانون الدولي.

إسرائيل – في المقابل – تتبنَّى التقسيم كخيار أمثل.. لتحقيق الفوضى الداخلية في الدول العربية، وشغلها بنفسها عما يحاك للمنطقة ككل، وهي تجد الساحة السورية مفتوحة أمامها على مصراعيها.. لتطبيق هذا الخيار. ولذلك فعلى الرغم من أن النظام الجديد في دمشق رفع الراية البيضاء أمام إسرائيل.. من اللحظة الأولى، فإن هذا لم يكن له أي تأثير في منع إسرائيل من الدخول على خط أزمات هذا الحكم مع مكوناته المختلفة عموماً، ومع الأقلية الدرزية خصوصاً. 

والحجة التي تتذرع بها إسرائيل – في تهديدها دمشق – عند أي مساس بالأقلية الدرزية، وكذلك في تبرير قصفها العنيف الدبابات السورية المتجهة إلى السويداء، أن الدروز في الجولان السوري المحتل.. يضغطون على حكومة نتنياهو للتدخل، وحماية أشقائهم من طائفية نظام الحكم الجديد. وهذه حجة أخلاقية، والجيش الإسرائيلي كما نعلم هو الجيش الأكثر التزاماً بالمعايير الأخلاقية حول العالم! 

ثم إن وجود قوات سورية في منطقة الجنوب – على مقربة من الحدود الإسرائيلية – يمثل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي، ويتجاوز الخطوط الحمراء التي فرضَت إسرائيل على سوريا احترامها.. داخل حدودها الجغرافيا السورية نفسها. وهذه حجة أمنية؛ خاصة أن ما تبقى من السلاح السوري – ولم يتم تدميره كما نعلم – يشكّل خطراً وجودياً على الجيش الإسرائيلي، الذي يتباهى قادته صباح مساء بأنه الجيش الأقوى في المنطقة! هذا بالإضافة إلى التذرّع بتسليح فلول إيران للعشائر العربية؛ سواء داخل السويداء أو خارجها، لمواجهة الدروز.. نكاية في نظام دمشق الجديد. وهذه حجة سياسية، يؤيدها التوافق الطائفي المعلوم بين العشائر السنية وإيران الشيعية! فما دام يلزم أن يكون لكل عدوان إسرائيلي حجة، فهناك دائماً حجج جاهزة للتبرير، ومن غير المطلوب أبداً أن يكون لهذه الحجج أي سند واقعي.

الأمر المثير للاهتمام، أنه رغم هذا التباين بين النهج الأمريكي.. القائم على دعم تمدد النظام السوري الجديد خارج حدوده، والنهج الإسرائيلي.. القائم على تقليص نفوذ هذا النظام داخل حدوده – فإن الانتقاد الأمريكي للنهج الإسرائيلي، هو انتقاد ناعم لا يصل لممارسة أي ضغط على حكومة نتانياهو. فعقب القصف الإسرائيلي العنيف للجنوب السوري وللعاصمة السورية نفسها – اكتفَت الخارجية الأمريكية بمجرد التصريح بأن واشنطن لم تدعم الضربات الإسرائيلية.. لا أكثر ولا أقل. فكيف يمكن إذن تفسير الاختلاف بين هذين النهجين؟

أحد التفسيرات المحتملة، يتمثل في تكثيف إسرائيل الضغط على النظام السوري للإسراع بالتطبيع، وبعد هذا التطور، قد يكون هناك احتمال لتكليف سوريا بملف التعامل مع حزب الله في لبنان.. بالتنسيق مع إسرائيل وفق الرؤية الأمريكية. وعلى الرغم من السرية المفروضة حتى الآن على مساعي التطبيع الإسرائيلي-السوري، فإنها قائمة بالفعل، ومثّل اللقاء الذي تم في أذربيجان خطوة مهمة على الطريق.

وهنا نأتي إلى سؤال آخر مهم هو: في حال لم يؤتِ هذا الضغط الإسرائيلي آثاره المطلوبة فوراً، فإلى متى يمكن استمرار الازدواجية الأمريكية-الإسرائيلية في التعامل مع الملف السوري؟ 

المنطق يقول إن هذه الازدواجية.. من الصعب استمرارها فترة طويلة، بسبب اتجاه الوضع في الجنوب السوري لمزيد من التعقيد. فمن جهة، يؤدي إرسال تركيا قوات تابعة لها إلى السويداء.. لنقل التنافس التركي-الإسرائيلي إلى منطقة شديدة الحساسية، ويدخل متغيراً جديداً في المعادلة الإسرائيلية-السورية في منطقة الجنوب. ومن جهة أخرى فإن إعلان مجلس العشائر الأردنية.. دعمه العشائر العربية في السويداء، وتهديده بالتدخل.. في حال عادت إسرائيل لمهاجمة الجنوب السوري، من شأنه توسيع نطاق الصراع مع الدروز، بإدخال الجوار العربي في تفاعلاته.

واللافت للانتباه.. أن مجلس العشائر الأردنية – الذي صاغ موقفه في بيان منشور – كان قد حضر قبل نشر البيان.. اجتماعاً مع ممثلين لكل من مجلس العشائر السورية، وأيضاً لتركيا، والأهم للولايات المتحدة نفسها.. وتحديداً توماس باراك (صاحب نبوءة بلاد الشام)؛ ما يطرح علامة استفهام حول ارتباك الموقف الأمريكي. هذا الارتباك، مبعثه تناقض مصالح حلفاء الولايات المتحدة في سوريا.. وبالذات تركيا وإسرائيل. وكذلك مبعثه عدم قدرة الحكومة السورية على كبح جماح الفصائل التكفيرية المتحالفة معها؛ ما كان قد حدا بباراك – قبل بيان عشائر الأردن – إلى انتقاد الحكومة السورية، وتحميلها مسؤولية ما جرى في السويداء، بل وقوله إن مسلحَي داعش.. ربما تنكروا في ثياب حكومية خلال أحداث السويداء!

والخلاصة، أنه مع كون الفوضى كامنة بالفعل.. في الكثير من التطورات السورية؛ بل ومرشحة للتفاقم، إلا أن هذه التطورات قد لا تسمح بتعايش طويل بين النهجين الأمريكي والإسرائيلي، والعمل على تقوية النظام السوري وإضعافه.. في نفس الوقت، فلا كل عوامل التأثير في سوريا تحت سيطرة أمريكا وإسرائيل، ولا حتى الفاعلون المرئيون على الساحة هم كل الفاعلين المحتملين.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة