Times of Egypt

ناس السودان وثمن الحرب

M.Adam
عادل سليمان

عادل سليمان

في زيارة نادرة الى السودان وصلت الأسبوع الماضي  إلى بورسودان – ضمن وفد صحفي يضم عربا وأجانب – لمعايشة واقع السودان.. بعد اكثر من عامين على الحرب الوحشية، التي اندلعت في منتصف أبريل عام 2023.

السودان ليست بالبلد الجديد علي، فقد زرتها عدة مرات خلال السنوات الماضية في رحلات عمل للاتفاق على انشاء محطات اف ام لإذاعة بي بي سي قبل إغلاقها، ولكن الجديد في هذه الرحلة هو أن البلد في حالة حرب، وشرور الحرب كثيرة لا تحصى، ربما يكون أهونها انهيار الأمن وانعدام الآمان، ناهيك عما نتابعه كل يوم من قتل واغتصاب وتشريد وخراب. ولكل رحلة قلق يناسب طبيعتها، وقلق هذه الرحلة هو المجهول، ما الذي يمكن أن يحدث خلالها ؟ 

فقبل أن تبدأ الرحلة بأيام، طُلِب منا ضرورة شراء قائمة أدوية.. للصداع والإسهال وانسداد الأنف، وموانع للناموس والبعوض؛ فمع الحرب ينتشر القتل والفوضى، ومعهما كثير من  الأمراض والأوبئة.

كنت أعلم أن بورسودان من أكثر الولايات أمنا، وكانت مخرجا ومأوى للآلاف  من الفارين والنازحين.. في الشهور الأولى من الحرب، ولكنها تعرضت أيضا لهجمات المسيرات بمختلف أنواعها.

 ورغم إرهاق الرحلة الطويلة.. من مطار هيثرو في لندن إلى مطار أديس أبابا في إثيوبيا، ومنه إلى مطار بورسودان.. خلال يوم كامل بلا نوم،  إلا أنه ما أن هبطت الطائرة  واستقبلنا  أحمد – وهو أحد المسؤولين  عن تنظيم برنامج الزيارة – حتى تبدد الإرهاق يقظة، واهتماما بكل التفاصيل التي حكاها  لي.. عن الصراع الدائر، ومكوناته، وولاءاته، وتعقيداته؛ بينما كنا ننتظر انهاء إجراءات الوصول، واستلام حقائب السفر .

المثل يقول.. إن الشيطان يكمن في التفاصيل، ولكن في هذه الحالة.. فإن دهشةً المعرفة هي التي تكمن في التفاصيل، وهي تفاصيل مهمة جدا.. لفهم أوضاع المدينة، وأسباب  الحرب ومسيرتها.  

عندما سألت مضيفنا عن الطائرات المسيرة.. التي تضرب أهدافا محددة في بورسودان، قال إنها توقفت منذ عدة شهور.. عندما تمكن الجيش السوداني من الحصول على دفاعات مضادة لهذه المسيرات، ونصبها على بعد أميال من الميناء، وبعدها عاود  الطيران الأثيوبي رحلاته إلى بورسودان.. قبل تلاثة أشهر، عندما زال خطر المسيرات.  وبين رشفات مشروب التبلدي الشعبي – المعروف بفوائده الصحية للجهاز الهضمي وتقوية المناعة – الذي قدمه لنا أحمد وفريقه – سألته عن المعارك التي وقعت في المدينة، فذكر لي أنه كان لقوات الدعم السريع معسكر واحد.. في وسط المدينة، ولم يكن هناك وجود لقوات الجيش السوداني حينذاك.  فتصدت لهم قوات البحرية الموجودة في ميناء بورسودان – مع مسانده من الأهالي – حتى تمكنوا من طردهم  خارج المدينة.. في الأسابيع الأولى من الحرب، وصارت الولاية بعدها آمنة.. إلى حد كبير. 

بعد أن انتهينا من إجراءات الوصول، توجهنا مباشرة على فندق في وسط المدينة، وفي الطريق.. رأينا بقايا معكسر قوات الدعم السريع، وآثار المعركة  مازالت على بناياته وفي جواره.. حيث استخدمت البنادق والـ «آر بي جي»، وغيرها من الأسلحة. 

… كان لقاؤنا الأول مع حاكم دارفور.. أركو مني ميناوي – الذي خرج منها بعد سقوط الفاشر، ومقتل الآلاف  من سكانها .. من بينهم أفراد من أسرته وعدد من وزرائه –  قال ميناوي: إنهم على استعداد للسلام، والحفاظ على سلامة ووحدة أرض السودان، ولكنه لايرى أن ذلك ممكنا.. دون وقف الدعم الإقليمي لقوات الدعم السريع.

(وللحديث بقية)

* صحفي وإعلامي مصري يقيم في لندن.

image
image 2
image 5
image 4
image 3
image 1
شارك هذه المقالة