عبدالله عبدالسلام
في عام 1967، نشر الناقد الأدبي والمفكر الفرنسي رولان بارت (1915-1980)، مقالة بعنوان: «موت المؤلف».. جادل فيها بأنه – من أجل شرح وتفسير العمل الأدبي – يجب استبعاد الحديث عن المؤلف، لأنه يعيق فهم النص. وقال: يجب على القراء فصل الأعمال الأدبية عن مؤلفيها، ويجب النظر للنص.. على أنه كيان لغوي قائم بذاته، ولا علاقة له بالمؤلف، ولا بالظروف، والأوضاع.. التي سببت تأليفه أو كتابته.
شيء من هذا القبيل، يحدث في السياسة.
بعد الإعلان عن القائمة الحزبية الموحدة، المقرر الدفع بها في انتخابات مجلس الشيوخ.. خلال العام الحالي، يكون ضلعًا رئيسيًا في العملية الانتخابية – بل العملية الديمقراطية برمتها – قد اختفى، وهو الناخب؛ الذي من المفترض أنه يعادل المؤلف.. في النص الأدبي. تم تجاوزه، ولم يعد له التأثير السابق.
وإذا كان علينا أن نفهم العملية الانتخابية الراهنة، فمن المهم استبعاد الناخب.. حتى يكون الفهم صحيحًا ومنطقيًا. القائمة الموحدة في الانتخابات، تعني أن هناك حاجزًا.. نشأ بين المرشح للانتخابات، وبين الناخب.
لم تعد هناك حاجة لهذا المرشح.. كي يخاطب الناخب مباشرة، ويزوره في بيته، أو يعقد الاجتماعات الجماهيرية.. لعرض برنامجه. إنه ضمن قائمة.. سيتم التصويت لها، وليس له فقط. ولاء هذا المرشح – وهدفه وغايته – ليس الناخبين في القرى والمدن والأماكن النائية، بل للحزب.. الذي ضمه في القائمة، مع زملائه من الحزب، والأحزاب الأخرى.
ولأن التواجد فيها.. يضمن النجاح إلى حد كبير، فإن التنافس – بل الصراع – على الانضمام لها، كان الهم الرئيسي لغالبية المرشحين. لم يعد الناخب – ولا ظروفه، ولا احتياجاته – هو الهم. عدد من أعضاء مجلس النواب تقدموا باستقالاتهم من المجلس، للترشح على القائمة لانتخابات «الشيوخ».. دون أن يكلفوا أنفسهم سؤال من انتخبهم من المصريين، عن موافقتهم من عدمها.. على تلك الخطوة. ربما آمن هؤلاء النواب.. بنظرية موت المؤلف، وغياب تأثير الناخب.
الأحزاب – نفسها – خاضت معركة شرسة، لكي تكون جزءًا من القائمة.. بعدد معتبر من المرشحين، لكن في النهاية.. فرض الواقع نفسه، ووجدت الأحزاب الشعبية «القديمة» نفسها حاضرة.. للتمثيل المشرف فقط. أصبحت تلك الأحزاب مثل أندية كرة القدم الشعبية، التي تتذيل ترتيب الدوري العام.
أصل الداء، يتمثل في النظام الانتخابي. النظام الفردي – الذي أثبت أنه الأكثر تعبيرًا عن رغبات الناخب – تلقى ضربة قوية، بعد أن أبقى البرلمان على نظام الانتخابات بالقائمة المطلقة.
يتعين على المرشح على النظام الفردي.. مواجهة عوائق لا حصر لها، وتكاليف مادية.. لا يتحملها إلا أولو العزم، من الذين يستطيعون توفير مخصصات هائلة.. للحملات الانتخابية. ومع سيادة نظام القائمة الانتخابية الموحدة، لا شيء يستوجب السؤال.. عن نسب المشاركة في الانتخابات، ولا في المؤتمرات الجماهيرية، أو النقاشات السياسية.
في ردهم على نظرة «موت المؤلف»، دعا نقاد كبار إلى عودة المؤلف إلى الحياة؛ مؤكدين أن دوره لا يزال مهمًا.. في فهم النص.
فهل لنا أن ندعو إلى جهد شعبي.. لإعادة الروح للناخب، الذي يشكل الفارق الرئيسي.. بين انتخابات حقيقية، وأخرى ليست كذلك؟
نقلاً عن «المصري اليوم»