Times of Egypt

من مسرح يعقوب صنّوع إلى مسرح شبرا بخوم

M.Adam
محمد أبو الغار 

 محمد أبوالغار 

بالرغم من اختلاف بعض المؤرخين.. على مؤسس المسرح المصري الحديث، إلا أن هناك شبه إجماع موثق.. على أن يعقوب صنوع هو مؤسس المسرح المصري. وُلد يعقوب صنوع عام 1839، وهو مصري ابن بلد، لغته الأساسية هي العامية المصرية، وإن كان يجيد الفرنسية والإيطالية.

كان يعقوب.. يهودي الديانة، ولكن ذلك لم يؤثر على أفكاره وأعماله. فكان مصرياً وطنياً. 

أعجب به الخديو إسماعيل، ودعاه لتقديم مسرحياته في القصر الخديو، وهو لم يكن منفصلاً عن الشعب، فكان على علاقة بالجميع في المقاهي، وكان صديقاً لجمال الدين الأفغاني.. الذي يقال إنه نصحه بإصدار صحيفته الفكاهية «أبو نظارة». وكان على علاقة وثيقة بأحمد عرابي، وقد تم نشر الرسائل المتبادلة بين عرابي – من المنفى في سيلان وبين صنوع في المنفى في باريس – منذ عام 1878.

كان الخديو إسماعيل.. سعيداً بمسرحيات صنوع، التي اعتبرها متقدمة فنياً وثقافياً، إلا أن صنوع.. بدأ ينتقد الخديو والعائلة المالكة، وبدأت صحيفته تتندَّر على الخديو إسماعيل ونجله توفيق.

قدَّم صنوع – في مقهى حديقة الأزبكية عام 1871 – روايات من فصل واحد، وكانت هناك صعوبة في إيجاد ممثلات، فقام الرجال بأدوار النساء.. متنكرين، إلى أن عثر على بعض النساء. وانتقل صنوع إلى مسرح جمعية محفل ومحبي التقدم.. إلى أن أغلقها الخديو إسماعيل عام 1874.

قال صنوع.. إنه كتب 32 مسرحية كوميدية، وجد منها الباحث شموئيل موريه 23 مسرحية، منها 4 باللغتين الفرنسية والإيطالية. وقد هاجم علي مبارك «صنوع»، وقال إن مسرحياته مكتوبة بلغة عامية فجة. ويشكك د. سيد علي إسماعيل.. في أن صنوع أبو المسرح المصري، إلا أن الدكتورة نجوى عانوس.. قدَّمت دراسات مطوَّلة، تؤكد أن صنوع هو أبو المسرح المصري. وتم التأكد – من أوراق صنوع.. المحفوظة في جامعة باريس، وعند حفيدته في باريس – أن صنوع لم يغير دينه، وعاش ومات يهودياً، ودُفن في مقابر اليهود في باريس.

كانت صحيفة «أبو نظارة زرقاء» – التي صدرت عام 1877 – جريدة فكاهية كاريكاتيرية، وصادرها الخديو إسماعيل.. لأنها كانت تنقده هو وحاشيته. وأطلق على الخديو اسم شيخ الحارة، وعلى الفلاح «أبو الغُلب»، وصورهما برسوم كاريكاتيرية. وبعد نفيه إلى باريس، استمر في إصدار الجريدة، وكان يتم تهريبها إلى مصر. علاقة صنوع الوثيقة.. بعرابي والأفغاني وعبد الله النديم، كانت تدل بوضوح على أنه.. كان مصرياً وطنياً صميماً.

جمعت د. نجوى عانوس – منذ عام 1984 – أعمال صنوع الصحفية.. المصورة وغير المصورة، وقدَّمت كتاباً حديثاً عن مسرحيات صنوع المجهولة، فيه الوثائق التي تثبت ريادته للمسرح المصري. وكتابها الأخير.. فيه عدد كبير من الكاريكاتيرات الأصلية، ومعها النصوص الفكاهية، وكلها لها مغزى سياسي.. ضد نظام الحكم، والظلم في مصر.

منذ أول عرض مسرحي لصنوع على الجمهور.. عام 1871، وحتى الآن.. مرَّ أكثر من قرن ونصف، وخلالها تطوَّر المسرح المصري كثيراً، ومر بفترات صعود وهبوط، وفترات نشط فيها المسرح الجاد، والمسرح الكلاسيكي.. بمسرحيات عالمية، وفترات بمسرحيات مصرية متميزة. وفي فترات مختلفة، كان المسرح الفكاهي شديد النشاط، وحمل الراية سنوات طويلة متفرقة.

ولكن السؤال: هل وصل المسرح المصرية للقرية المصرية؟ 

والإجابة: قام المخرج المسرحي أحمد إسماعيل.. بتقديم مسرحية سهرة ريفية، استلهمت حياة قرية شبرا بخوم بمحافظة المنوفية؛ بفنونها الشعبية وحكاياتها الخاصة ومشاكلها المعيشية وآمال أهلها وأحلامهم، لتؤسس أرضاً طيبة في كل بلد، فيحضر عروضها النساء مع الرجال.. كشرط لدخول المسرح، ولتصبح الفرقة وعروضها – كما يقول المخرج – برلماناً للقرية.

وقدَّمت الفرقة عروضاً مثل «رسول من قرية تميرا»، وهي مسرحية من أعمال الكاتب المسرحي العملاق محمود دياب، تثير تساؤلات حول الحرب والسلام، والمتغيرات التي تصحبهما. وقدمت أيضاً لمحمود دياب.. مسرحية «ليالي الحصاد»، وهي مسرحية فيها الكثير من التجريب والتجديد. أما المسرحية الثالثة، فكانت «الشاطر حسن».. للشاعر العظيم فؤاد حداد.

أن تقوم فرق مسرحية بسيطة، وبتكلفة محدودة، بتقديم هذه المسرحيات العظيمة.. في قرية مصرية، ويحضرها فلاحات وفلاحون.. يُعتبر شيئاً عظيماً، وأداة تثقيف.. أقوى من مائة محاضرة، أو برنامج تليفزيوني. 

استمر العرض شهرين كل صيف.. لثلاث سنوات، وأحدث البهجة والمعرفة والثقافة.. لأهل القرية المعزولة عن القاهرة.. بالرغم من قربها الجغرافي. وعرضت الفرقة بعض التجارب؛ من تأليف نجيب محفوظ، ومسرحيات أجنبية مترجمة، ومسرحية «العهد».. من تأليف الأستاذ أحمد إسماعيل، صاحب تجربة مسرح شبرا بخوم.

امتدت هذه الأعمال، وقُدمت على مسارح.. من الوادي إلى مرسى مطروح. وكان لنجاح شباب وشابات القرية – بمشاركة المدرسين – الأثر الكبير في نجاح المشروع، وانتقاله إلى أماكن أخرى. فانتشرت الفكرة، وساهم شباب من القاهرة. ومد الفنان الكبير محمود مرسي يده بالمساعدة، وكذلك عدد كبير من أساتذة المسرح. 

وقدَّم البرنامج المسرحي قصائد شعرية، كُتبت في معتقل المحاربين بين عامَي 1960-1962. واستطاع أحمد إسماعيل.. أن يعثر على بعض الجمل اللحنية.. من بعض نزلاء المعتقلات؛ ومنهم الشاعر سمير عبد القادر. وساعد في الديكور والملابس.. طلاب كلية الفنون الجميلة. والجميل، أن الجمهور شارك في كتابة أجزاء.. أثناء البروفات. 

أما «حكايات الناس في ثورة 1919»، فهي إبداع جماعي لطاقم العمل، وقد قُدمت على المسرح القومي خلال ثورة 25 يناير. وقدمت المجموعة مسرحية يوسف إدريس الشهيرة.. «الجنس الثالث»، مع إجراء تعديل عليها، وسُميت «رؤية عن الجنس الثالث». 

الأعمال التي قُدمت في تلك الفترة – بمجموعات مختلفة ومتنوعة، وفنون مسرحية – فيها أنواع كثيرة من العروض المسرحية، وقد شرح التجربة الأستاذ أحمد إسماعيل.. في كتابه «المسرح القريب«.

أعتقد أن المسرح الريفي – الذي يعمل فيه متطوعون، وتكلفته محدودة – يشحذ همة المواطنين على التفكير والإبداع، ويجذب المواطنين ناحية الفن والمعرفة والمتعة، وهو أمر هام. 

الأستاذ أحمد.. عنده مشروع متكامل.. لنشر هذا المسرح في الريف وفي القرى. ولو قُدِّر له النجاح، لأحدث فارقاً كبيراً في الريف المصري. وبالتأكيد، سوف يفرز مواهب في التمثيل والغناء، وكل أنواع الفنون. 

فهل يُكتب لهذا المشروع النجاح؟ وهل يمكن لبعض رجال الأعمال.. أن يمدوا أيديهم بالدعم؟

… إن الفن والمعرفة، هما الطريقة الوحيدة لمحاربة الانغلاق الفكري، الذى يؤدي إلى كوارث.

(قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك)

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة