لم تتمكن المعارضة الإيرانية على مدى السنوات الماضية في إظهار أي من أشكال الوحدة أو بناء أسس ائتلافية تجمعها.
فمن الملكيين أنصار عودة الإمبراطورية، إلى “مجاهدي خلق”، مرورا بالتيار الجمهوري العلماني، والقادة الشباب لحركة “امرأة، حياة، حرية”، وصولا إلى الشخصيات المستقلة… بقيت الخلافات الأيديولوجية والفكرية حاجزا رئيسيا يحول دون تقاربها. وعلى عكس ما كان يعول عليه البعض، يبدو أن الحرب الأخيرة عمقت الانقسامات بدل أن توحد الصفوف.
ويُجمع المراقبون على أن الانقسامات الأيديولوجية والسياسية العميقة داخل هذه المعارضة المتعددة تظل نقطة ضعفها الأساسية، وتعيق بروز مشروع سياسي بديل للجمهورية الإسلامية التي تحكم البلاد منذ عام 1979.
في هذا السياق، أشار موقع “أخبار روز” إلى أن “غياب بديل موثوق وذو إجماع داخل معارضة شديدة التفتت والشتات يشكل تحديا جوهريا أمام فكرة التغيير”. وأضاف أن “هذا الواقع يجعل من فكرة تغيير النظام أمرا مشكوكا فيه لدى صانعي القرار، خصوصا في الولايات المتحدة، نظرا للتجارب في كل من أفغانستان والعراق”.
خلاف قديم يعود إلى الواجهة: “العلاقة مع إسرائيل”
ومنذ 13 يونيو – حزيران، عاد إلى الواجهة ملف أساسي يشكل نقطة اختلاف إضافية بين التيارات المعارضة، وهو العلاقة مع إسرائيل.
ففي حين يرى بعض المعارضين أن أي انتقال سياسي يجب أن يتم من داخل البلاد، حتى لو اقتضى الأمر التعاون مع الجناح المعتدل في النظام، تبنى آخرون، وعلى رأسهم أنصار رضا بهلوي، نجل الشاه الراحل، بشكل كامل الهجوم الإسرائيلي، مطالبين بإسقاط النظام بأي ثمن. وقد أعلن بهلوي نفسه “قائدا لمرحلة الانتقال”.
وكان بهلوي، البالغ من العمر 64 عاما والمقيم في الولايات المتحدة، قد زار إسرائيل في أبريل 2023 للمرة الأولى، حيث التقى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ما أثار موجة غضب وانتقادات في صفوف عدد كبير من الإيرانيين.
بهلوي و”صورة النظام السابق”
يُذكر أن رضا بهلوي لا يحظى بإجماع داخل صفوف المعارضة، حيث يُنظر إليه من قبل العديد كرمز للنظام السابق الذي مارس القمع أيضا. كما أن تصريحاته المؤيدة لإسرائيل خلال الحرب الأخيرة دفعت علي أفشاري، الناشط المعارض والسجين السياسي السابق، إلى اتهامه بـ”الخيانة” ومقارنته بـ”الماريشال بيتان”. وقال أفشاري عبر منصة “إكس”: “القوى المدعومة من إسرائيل في إيران، ومنها المرتزق رضا بهلوي، تُقلد حكومة فيشي”.
“مجاهدي خلق”: تفسير ثوري للإسلام ودعم صدام
ولا تقتصر الانتقادات على بهلوي فقط، بل تمتد لتشمل تيارات أخرى. فحركة “مجاهدي خلق” الإسلامية الماركسية في الخارج، التي تستند أيديولوجيتها إلى تفسير ثوري للإسلام، تواجه نفورا شديدا من الملكيين وحركات معارضة أخرى. وكانت هذه الحركة مدرجة لفترة طويلة على قائمة التنظيمات الإرهابية، ويحملها الإيرانيون مسؤولية دعمها لصدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، مما حد من شعبيتها داخل البلاد حتى اليوم.
رغم ذلك، تسعى المجوعة إلى تبني “الطريق الثالث”، رافعة شعار “لا للتواطؤ، لا للحرب، نعم لتغيير النظام”.
انتقادات للمجتمع المدني
ولم تسلم أيضا أوساط المجتمع المدني من الانتقادات المتبادلة بين المعارضين والإصلاحيين داخل النظام الإسلامي. فقد تعرضت كل من شيرين عبادي ونجاة محمدي، الحاصلتان على جائزة نوبل، إلى جانب المخرجين جعفر بناهي ومحمد رسولوف، لانتقادات حادة من الصحافة الإصلاحية، بعد بيان دعوا فيه إلى “وقف تخصيب اليورانيوم” من دون إدانة “العدوان” الإسرائيلي.
من جهة أخرى، وجه أكثر من 500 ناشط من المجتمع المدني، بينهم سجناء سياسيون سابقون وحاليون، رسالة مفتوحة إلى النظام الإسلامي طالبوه فيها بـ”المرونة في قضية التخصيب”، ونشرت الرسالة على موقع “زيتونز” المعارض.
وبدون ذكر رضا بهلوي، انتقدت الرسالة أيضاً أولئك الذين “دعموا الغزو الإسرائيلي وظنوا أنهم يستطيعون الجلوس على العرش بمساعدة قوى أجنبية”.
وأكد الناشطون: “يجب أن يعلموا أن الشعب الإيراني لن يقبل بأقل من الديمقراطية والاستقلال ونظام جمهوري يقوم على الاقتراع والحفاظ على وحدة التراب الوطني”.
أما الأسماء الجديدة التي برزت مع حركة “امرأة، حياة، حرية”، فقد أدانت الحرب الحالية بشكل عام، دون الدعوة إلى تظاهرات جديدة ضد النظام، بحسب وسائل الإعلام المحلية، وهو دليل إضافي على غياب الخط الواضح والتنسيق والقيادة داخل صفوف المعارضة، حسب التقديرات.