Times of Egypt

من «الريان» إلى «إف بي سي».. يا قلبي لا تحزن

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان..
… والقلب لا يحزن، إلا إذا تكرر النصب والاحتيال أمام أعيننا، ونغمضها. ولا نستوعب الدرس، والحيلة تعلن عن نفسها كل مرة، وتلقى عند الناس الرضا والقبول؛ فهذا صاحب منصة «إف بي سي»..يُحنِّي لحيته، ويبدأ حديثه بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة والسلام على سيدنا النبي، ويدعو ربه بالفلاح والصلاح.. وهي نفس الحيلة التي استخدمها أصحاب الريان والسعد والهدى مصر.. في نكسة توظيف الأموال، واعتمدها وباركها مشايخنا الكرام، وحصلوا على الملايين.. تحت عنوان «مستشار ديني».
الغريب، أن هؤلاء المشايخ.. لم تتحرك نازعة خير واحدة في نفوسهم، وأعادوا هذه الأموال إلى الضحايا.. بعد كشف عورة شركات النصب هذه.
يتكرر نفس المسلسل، ويخرج صاحب المنصة «باللحية»، وبجواره عصابته.. يدعون المصريين للكسب الحلال. ومنصة «إف بي سي» تفتح في حسابك وديعة لديهم،«لتصبح موظفاً عندهم»،وكلما زادت وديعتك واستثماراتك.. زاد دخلك اليومي، مقابل الترويج لأفلام أو إعلانات على السوشيال ميديا. مسلسل متكرر – منذ الخليقة، حتى تقوم الساعة – نصاب وطماع وعدة النصب، وأنت يا سيدي يا رسول الله.. بريء مما يفعله النصابون والسفهاء.
وبين الريان وصحبته، وهذه المنصة.. مرت البلاد بمسلسل «المستريح»؛ فهذا حسن المستريح «يخرج من السجن في إحدى الجرائم الجنائية، فيعود إلى قريته، ويعلن أن الله قد فتح عليه أبواباً من الرزق.. في تجارة المواشي الحية، وهو بدوره يفتحها على أهله وعشيرته».
فتح الناس له أبواب زرائب مواشيهم، يغرف منها ما يشاء، واختفى صاحبنا هو والمواشي.. ومعهما البركة التي وزعها على البسطاء، حتى ظهر بعده مباشرة «مصطفى البنك»..تاجر الآثار، ومستريح ثالث.. لكروت الشحن، ورابع.. لتجارة السيارات، وخامس للعقارات، وغيرهم كثير.
لم يتعلم الناس من هذا التكرار!! والغريب أن حظ كل المستريحين.. فقير في التعليم والثقافة، وما زال الناس – على قدراتهم – يستسلمون لأفكارهم وحيلهم!
وصاحبنا في مدينة السويس..«بتاع كشري»، يرتدي بالطو أبيض، ويفتتح عيادته الخاصة.. لعلاج المواطنين بالطب النبوي، وإعلاناته تغمر المدينة.. لعلاج السرطان، والروماتويد، وآلام الكتف، وخشونة المفاصل، وآلام العمود الفقري، وعلاج الثعلبة، والتداوي بالحجامة والأعشاب المباركة؛ بل افتتح عيادة جديدة لعلاج التليف والتحجر الرئوي. ولكي يكتمل النصب.. ويقف على رجلين، فقد أطلقوا لحاهم المباركة الوقورة.. التي تعطي الثقة والاطمئنان للزبون، حتى كُشف أمرهم، وتعرت فضيحتهم بجلاجل.
وليست هذه «النصباية» هي الأخيرة، فما زال النصاب يتنفس نصباً، والطماع مراقباً ومنتظراً، واللحية والجلباب.. ما زالتا في انتظار من يتحلى بهما، حتى لو كان التحذير والتنبيه ليل نهار.
وما دامت عين الدولة غائبة ومغيبة، فإن النصاب يحوم حول فريسته، والفريسة سهلة وميسرة لفارسها، وعدة النصب على الرف وقت الطلب، ولو عاد الريان، والمستريح، وعيادات الطب النبوي، والتداوي بالأعشاب والحجامة، وأصحاب المنصات.. مرة أخرى، أؤكد لكم أن الناس ستعود تقترض، وتبيع أصولها وذهب نسائها، ويذهبون يتباركون، ويتمسحون بأضرحة النصابين، ثم يعودون ليطلقوا نساءهم.
ولست بالوصي الأمين – بل ناصح صدوق، عركه الدهر وطحنه، وكان له نصيب من النصابين والمحتالين.. من الأصدقاء والأقرباء – وأبدأ أولاً بالآتي: إياك ان تتجاهل حدسك.. أي فراستك، وقدرتك الشخصية.. على فهم البديهيات وإدراكها حتى بدون خبرة، فلو سألت فراستك وفطرتك.. عن المبالغة في الأرباح والمكاسب، فلا أظن أن عاقلاً يصدق أن هذا الربح معقول أو مقبول، بل مبالغ فيه.. أشد ما تكون المبالغة، عندها ترفض الانصياع مهما كان الإغراء. والثانية: توجَّس ألف خيفة وحذر، إذا دخل عليك أحدهم بغطاء ديني.. مهما تخفَّى أو تستَّر أو تحجَّب أو تنقَّب. كن حذراً، واستدعِ صورة الريان والسعد، ومشايخ الغبرة؛ الذين ضللوا البسطاء تحت ستار الدين، واعلم أنهم جميعاً ذرية بعضها من بعض، والأخيرة: فكِّر ألف مرة.. إذا دعاك أحد إلى هذا الاستثمار، ولا تنسق لرغباته، فربما يدفعك دفعاً لتقليده.. حتى تكون معه في «الهم سوا».
ثم ماذا عن مسؤولية الدولة؟
أتصور ألا تنتظر أجهزة الدولة.. حتى تقع الفاس في الرأس، فإن مهمة الدولة محاربة الجريمة، ومطاردة المجرمين ومخالفي القانون، والأهم.. هو منع الجريمة قبل وقوعها، وتتبع خطوات هؤلاء، ومنعهم الاقتراب من الضحايا؛ فهم لا يخفون رؤوسهم عن أحد، بل ينتشرون على السوشيال ميديا، ويعلنون عن أنفسهم بوضوح، وهم مجال الحديث والنقاش.. على المستوى العام، فليس هناك شيء مستور الآن، والدولة ناجحة في مطاردة من تراه معاكساً أو مشاكساً لها.. ليل نهار، وهؤلاء أشد خطورة منهم، وإلا ما رأيك فيمن يقول: هذا المعاكس أخطر من هؤلاء النصابين؟!
الدولة المدنية هي الحل.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة