عبدالله عبدالسلام
بعض المطاعم، خاصة الشعبية منها والتقليدية، لم تغير قائمة الطعام الخاصة بها (المنيو) منذ سنوات طويلة. تذهب إلى مطعم ما، فتجد الخيارات أمامك ضئيلة للغاية. وعندما تطلب نوع طعام معيناً، من المفترض أنه يدخل ضمن اهتماماته، يرد المسؤول أن هذا هو الموجود. للأسف هذا الأمر ليس خاصاً بالمطاعم فقط. إنه سمة مصرية عامة. كثيرون يتبعون «منيو» قديماً لا يريدون تجديده أو تغييره، ليس في الأكل فقط، بل في شتى مناحي الحياة، لأن من فات قديمه، وكل جديد بدعة كما أنه يكلف كثيراً.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت الصحف الشعبية البريطانية تحدد أولويات ليس الصحافة الرصينة فقط بل الإعلام كله. مانشيتات تلك الصحف تتحدث عن فضيحة لهذا السياسي أو ذلك الفنان أو الشخصية العامة. ينساق الجميع وراءها ويحاولون كشف تفاصيل أخرى، ليجدوا أن القضية في الغالب تافهة ولا تقوم على أساس. غيرت الصحافة البريطانية أولوياتها تماماً وركزت على ما يهم القارئ حقاً. للأسف، السوشيال ميديا تقوم حالياً بنفس الدور. تنفجر الخلافات والشتائم بين شخصيات شهيرة، فيتم النفخ فيها لتكون هي القضايا الرئيسية للمجتمع. ننتقل من فضيحة إلى نميمة ثم معركة كلامية. أصبح «المنيو» عندنا يشتمل على موضوعات «مشطشطة» مليئة بالبهارات، نقبل عليها حتى لو انتقدناها علناً.
»المنيو» الحكومي أيضاً قديم. قضايا التعليم والصحة والإسكان الاجتماعي لا تشغل المكانة التي تستحقها. استمرار الارتفاع في أسعار السلع رغم الحديث عن تراجع أسعار الدولار أمر غير مفهوم، ولا يجد حلاً. أحد الأمثلة على ذلك، أسعار الفواكه تحديداً. تقريباً ليست هناك فاكهة في المتناول. الارتفاع جنوني. ومع ذلك ليس هناك جهد حكومي لمواجهة تلك الهجمة أو على الأقل شرح أسبابها للناس. ما نقرؤه كلام عام عن زيادة معدلات النمو وارتفاع الإيرادات الضريبية وتحسن موقفنا بشأن الديون. هموم المواطن ومشاكله الحقيقية ليست على رأس «المنيو«.
نتحدث كثيراً عن التعليم. التغييرات سريعة قد لا يستوعبها كثيرون. من الثانوية للبكالوريا. حذف مناهج ودمج أخرى، والهدف تخفيف العبء عن الطلاب. لم نتساءل: كيف سيؤثر ذلك على مستواهم فيما بعد؟، وما عواقب إلغاء مادتي الفلسفة والاجتماع على أسلوب التفكير والرؤية النقدية عندهم؟. النقاش حول هذه القضايا لا يشغل اهتمامنا؛ المهم أن تكون المناهج رشيقة وسهلة.
الذكاء الاصطناعي قضية أخرى تكشف ضرورة تجديد «المنيو». نقرأ عن الطفرات التكنولوجية غير المسبوقة والإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في الإنتاج وتطوير العلوم وعلاج الأمراض وغيرها، بدلاً من أن تكون أولويتنا كيفية زرع هذا الذكاء في البيئة المصرية وتذليل المعوقات، نعقد المؤتمرات حول أخلاقيات التعامل معه. بالطبع هي قضية مهمة لكنها ليست كل شيء. علينا توطينه أولاً وإقناع المصريين بأنه أداة خير ولا غنى عنه للتقدم والنهوض. أما تأثيراته السلبية، فيمكن التعامل معها، لكنها ليست كل شيء.
بسبب جمود «المنيو» وعدم مواكبته للعصر، يصعب أن تجد مطعماً مصرياً ينافس مطعماً عربياً، فما بالك عالمياً. المطاعم اللبنانية والتركية تسبقنا بمراحل. المنيو الجديد يجب أن يكون أولويتنا.
نقلاً عن «المصري اليوم«