Times of Egypt

ملاحظات واجبة على التطورات السورية «1»

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

هي ملاحظات واجبة؛ لأن التطورات تقع في سوريا – التي كانت دوماً قلباً لتفاعلات عربية – بالغة الأهمية، ومن ثم فإن تداعياتها لا تخص سوريا وحدها، ولا حتى جوارها العربي المباشر، وإنما تنسحب على الوطن العربي بأكمله، وكذلك على إقليم الشرق الأوسط برمته، بل والتوازنات الدولية على اتساعها.

 وهي واجبة كذلك، لأن أي عاقل.. يكاد يُجَن من المهرجانات الإعلامية والسياسية، المحتفية بهذه التطورات، وهي – في جانب منها – مُحِقَّة بطبيعة الحال.. بسبب سقوط نظام شمولي، تجاوز عمره أكثر من نصف قرن، ونُسِبت له أخطاء وانتهاكات جسيمة.. دون أن يكون سجله في خدمة الشعب السوري – أو القضايا العربية – مبرراً لهذه الأخطاء؛ إن كان ممكناً تبريرها أصلاً. لكن الاكتفاء بالمهرجانات الاحتفالية.. بسقوط الأسد ونظامه، يعكس – دون أدنى شك – قصوراً في الرؤية.. ناجماً عن غفلة أو تحيز، قد يصل لحد العمالة لأعداء سوريا والأمة العربية.

 والحديث يطول، ولكني أذهب مباشرة إلى الملاحظات التالية. وأبدأ بثلاث ملاحظات تتعلق بسوريا، على أن تتناول المقالة القادمة.. الملاحظات المتعلقة بالتداعيات العربية والإقليمية والدولية.

تتعلق الملاحظة الأولى.. بضرورة تفسير ما وقع تفسيراً شاملاً، فصحيح أن التغيير الأخير في سوريا.. له أسبابه الداخلية العميقة، المتعلقة بطبيعة النظام المنهار وممارساته، لكن هذه الأسباب الداخلية – على أهميتها الفائقة – لا تكفي وحدها لشرح ما وقع، فكم من نُظم لا تختلف طبيعتها عن نظام الأسد.. باقية في الحكم، لأنها بمنأى عن عوامل خارجية تسعى لتقويضها.

والواقع أن الأسباب الخارجية لسقوط النظام.. شديدة الوضوح؛ فقد أسقطت الفصائل المعارضة نظام الأسد.. برعاية إقليمية كاملة ومعلنة، أي لا تحتاج من أحد تخميناً أو بحثاً عن أدلة، وكانت التصريحات الرسمية العلنية.. كأنها تواكب تقدم تلك الفصائل شبراً شبراً، وتُبَشر بقرب وصولها دمشق. 

فإذا أضفنا لهذا الجهد – الذي بُذِل إقليمياً – في تدريب هذه الفصائل وتسليحها، والعناصر غير العربية.. التي شاركت في العملية، والتغاضي الغربي عما وقع، لكان ثمة أساس للقول.. إن ما وقع في سوريا قريب من الغزو الخارجي.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالحديث المذهل، عن سوريا الجديدة الحرة.. المتآخية المستقرة المزدهرة، وهو حديث نشترك فيه.. من باب التمني، لكن ليس بمقدورنا أن ننسى خلفية حكام سوريا الجدد، وهي خلفية متطرفة بامتياز، كما خبرناها بأنفسنا، واتفقت معنا في ذلك الأمم المتحدة، بل الرأس الأمريكي للتحالف الغربي.. الذي رصد 10 ملايين دولار للقبض على قائد العملية، وإن كان من المخزي.. أن نرصد التراجع الغربي الرسمي الفوري، عن تكييف قادة دمشق الجدد، وهو سقوط قيمي ليس جديداً على قوى غربية عديدة، شهدنا آخر تجلياته.. في الصمت التام عن ذبح غزة وتدميرها، لـ14 شهراً حتى الآن.

بل لقد بدأت آليات إعلام غربية، تشارك في محاولة رسم صورة جديدة للقادة الجدد.. يرتدون فيها لباس الوداعة والتسامح والمساواة والديمقراطية، وهو لباس غريب عليهم.. لا يلائم تكوينهم، وإن كان ليس غريباً على قائدهم، الذي تنقل بين التنظيمات المتطرفة.. بنفس سهولة تقليب صفحات كتاب. ومع ذلك، فإن هذه الصفحة غريبة على طبيعته وأنصاره. وسوف تكون هذه الطبيعة، سداً يحول بينهم وبين إنجاز المهمة الشاقة.. لتحقيق الاستقرار في سوريا. 

فلكي يتحقق هذا الاستقرار، يجب أولاً: تحقيق التوافق بين فصائل المعارضة في سوريا. وثمة غياب تام حتى الآن للمعارضة المدنية، بل إن تحقيق التوافق بين فصائل المعارضة ذاتها.. يمثل مشكلة، ناهيك عن التعامل مع الواقع الديموجرافي السوري المعقد؛ سواء من المنظور الطائفي أو العرقي. وتبرز – في هذا السياق – معضلة أكراد سوريا، الذين مازالوا يقاتلون تلك الفصائل.. حتى كتابة هذه السطور. وحتى لو هُزموا، فسوف تكون هذه أول بذرة.. لعدم الاستقرار في العهد الجديد؛ خاصة أن الأكراد يمثلون فزاعة لتركيا، وبالتالي فإن قادة دمشق الجدد.. لا يستطيعون تلبية مطالبهم (الأكراد) وإلا خسروا تأييدهم (الأتراك).

 وأعلم أن ثمة كلاماً معسولاً كثيراً.. يُقال، ولكن «المياه تُكَذب الغطاس» – كما يقول المثل – ويمكن اعتبار تشكيل أول حكومة لهم – دون أي تمثيل إلا لأصحاب توجهاتهم – أول تكذيب في هذا الصدد. 

وإذا كانت الملاحظة السابقة.. تتعلق بالاستقرار في سوريا، فإن الملاحظة الأخيرة.. تتمثل في الخطر الذي يتهدد كيان الدولة السورية؛ وهو خطر مزدوج.. مصدره الأول: نهج حكام سوريا الجدد، الذي يمكن أن يفشل.. بسبب توجهاته الأيديولوجية في تحقيق مصالحة وطنية.. تماماً كما فشل أسلافهم، فيكون الحل هو تقسيم الدولة السورية، وما أدراك ما يكون عليه هذا التقسيم.. في دولة شديدة التنوع دينياً وطائفياً وعرقياً، مع إرث ثقيل من ممارسات النظام السابق، وخطط خارجية قديمة.. لتفتيت الدول العربية؛ بما يحقق مصالح قوى دولية وإقليمية بعينها.. على رأسها إسرائيل، وهي خطط لا تطول سوريا وحدها، وإنما معظم الدول العربية، وإن كان لسوريا مكان القلب فيها.. بسبب أهميتها الاستراتيجية.

 أما المصدر الثاني للخطر: على كيان الدولة السورية.. وسلامتها الإقليمية، فهو الأطماع الإقليمية فيها؛ فهناك ادعاءات علنية في هذا الصدد، ترددت أصداؤها في محافل رسمية مؤخراً.. في سياق عملية إسقاط الأسد. وبالنسبة لإسرائيل، فهي لا تقول.. وإنما تفعل، وقد سبق لها ضم المرتفعات السورية، وأعلن رئيس وزرائها مؤخراً.. أنها لن تعود لسوريا للأبد، ناهيك عن إلغائه اتفاقية فض الاشتباك 1974 معها، واستيلائه على المنطقة العازلة وجبل الشيخ، وتدميره للقوة العسكرية السورية.. في ظل صمت تام – كالعادة – من المجتمع الدولي، وهو ما سأناقشه تفصيلاً بإذن الله في المقالة القادمة.. في سياق الملاحظات المتعلقة بالتداعيات العربية والإقليمية والدولية لما وقع في سوريا.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة