Times of Egypt

ملاحظات على ما جرى من مواجهة للعدوان

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

مازلنا في قلب الاشتباك.. مع التداعيات التي أفضى إليها العدوان غير المسبوق على قطر، وهو لا يكتسب صفته الاستثنائية.. من حجمه؛ فحجم الجرائم الاسرائيلية في غزة والضفة.. لا يفوقه شيء، وإنما من دلالته – كما سبقت الإشارة – فقد جعلت إسرائيل من نفسها.. خصماً وقاضياً ومنفذاً للأحكام، فقصفت – للمرة الأولى في تاريخ إدارة الصراعات – وفداً يتفاوض على إنهاء حرب.. على أرض الوسيط، الذي يستضيف المفاوضات. 

مثل هذا العدوان يحتاج مواجهة حقيقية جادة، وقد رفض العالم كله تقريباً هذا العدوان.. لأسباب بديهية، بما فيه مجلس الأمن – الذي يندر أن يُجمع على شيء – لكن الرفض مع ذلك جاء في شكل بيان صحفي.. وليس قراراً، كما أن البيان لم يتطرق لأي إجراء عملي ضد إسرائيل، أو حتى تهديد به. وهي الملاحظة نفسها على مواقف الغالبية العظمى.. من القوى الدولية المهمة التي رفضت العدوان، لكنها اكتفت بالمفردات المعهودة؛ مثل التعبير عن القلق أو الانزعاج، واعتبار العدوان انتهاكاً لسيادة قطر، وغير ذلك من المصطلحات.. التي لا تتضمن أي إجراء عملي لمحاسبة إسرائيل على جريمتها، أو حتى التلويح به، بحيث تفردت دول قليلة مثل إسبانيا.. بإلغاء صفقة شراء أسلحة إسرائيلية بنحو 3 أرباع مليار دولار، وكانت النرويج قد سبقتها قبل العدوان.. بسحب استثمارات لصندوقها السيادي – الأكبر في العالم – من عديد من الشركات الاسرائيلية، فماذا فعل أصحاب الشأن المباشر؟

بطبيعة الحال، قوبل العدوان الإسرائيلي بإدانة عربية شاملة.. على مستوى الدول. وبالإضافة إلى ذلك، عقدت قمتان؛ إحداهما خليجية، والثانية عربية-إسلامية يوم الاثنين الماضي. وثمة ملاحظتان أساسيتان على مخرجات هاتين القمتين؛ أولاهما: أن مفرداتهما ومصطلحاتهما لم تأت بجديد، إذا قورنت بمثيلاتهما التي عقدت بعد 7 أكتوبر 2023.. اللهم إلا استثناءات.. سوف تناقشها الملاحظة الثانية وتدور هذه المفردات والمصطلحات كالعادة.. حول رفض العدوان وإدانته بأشد الألفاظ؛ باعتباره انتهاكاً للسيادة ومبادئ القانون الدولي، وتهديداً للسلم والأمن إقليمياً ودولياً، واعتباره عدواناً على الجميع، والتضامن في مواجهته، فضلاً عن تأكيد كل المواقف.. المتعلقة بنصرة القضية الفلسطينية في مواجهة التغول الإسرائيلي؛ وبالذات فيما يتعلق بتهجير سكان غزة، وضم الضفة، وتغول الاستيطان فيها.. وغير ذلك من المواقف السليمة. وإن كانت لا ترتبط بأي تحرك عملي.. يؤثر في مجريات الأمور، وهو ما ينقلنا للملاحظة الثانية: التي تتناول بعض المواقف، التي يمكن اعتبارها منطوية على أفكار لتحركات فعلية.

ولعل أول هذه المواقف.. ما ورد في البند 3 من البيان الختامي الصادر عن الدورة الاستثنائية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي – التي سبقت القمة العربية-الإسلامية – الذي تضمن توجيه القادة لمجلس الدفاع المشترك.. بعقد اجتماع عاجل، يسبقه اجتماع للجنة العسكرية العليا، لتقييم الوضع الدفاعي ومصادر التهديد.. في ضوء العدوان الاسرائيلي على قطر، وتوجيه القيادة العسكرية الموحدة ..لاتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتفعيل آليات الدفاع المشترك، وقدرات الردع الخليجية. وهذا توجه إيجابي دون شك، ينطوي على إمكانية الانتقال من القول إلى الفعل. غير أن التقييم الفعلي له، لن يكون ممكناً.. إلا بعد اتخاذ هذه الخطوات، وتبين ما أفضت إليه.

 كذلك لوحظ غياب الإشارة.. للإطار العربي لهذا التحرك؛ وهي إشارة ضرورية، لأن التهديد غير محدود بدول المجلس وحدها، وإنما بالوطن العربي ككل. ولابد أن تكون مواجهته كذلك. وثاني هذه المواقف ما ورد في البند 9 من البيان الختامي للقمة العربية-الإسلامية.. من ترحيب بإصدار مجلس جامعة الدول العربية – على المستوى الوزاري – قرار «الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة»، والتأكيد في هذا السياق.. على مفهوم الأمن الجماعي والمصير المشترك للدول العربية والإسلامية، وضرورة مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.

 ويُلاحظ أن هذه الرؤية – بدورها – ليست سوى تحليل لخطورة المرحلة القادمة، وما يستدعيه ذلك من «وجود توافق بين جميع دول المنطقة، حول مجموعة من المبادئ الحاكمة للتعاون والأمن المشترك»، بما يعزز «تحقيق تعايش وتكامل حقيقي ومستدام.. بين دول المنطقة»، ثم تأكيد عدد من المبادئ والمواقف السليمة، لعل الجديد الوحيد فيها هو العبارة التي وردت في سياق إدانة أي طرح يهدد سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها، وتأكيد ضرورة العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ونصها – أي نص تلك العبارة- «عدم إمكانية التعويل على ديمومة أية ترتيبات للتعاون والتكامل والتعايش بين دول المنطقة، في ظل استمرار احتلال إسرائيل لبعض الأراضي العربية، أو التهديد المبطن باحتلال أو ضم أراض عربية أخرى»، وهي صيغة مخففة للغاية.. من الحديث الذي وجهه الرئيس السيسي للإسرائيليين – في كلمته أمام القمة – ومفاده أن السياسة الحالية لحكومتهم.. تهدد أمنهم وأمن الجميع، وتعرقل أي فرص لاتفاقيات سلام جديدة، بل وتجهض القائم منها.

 ومن المهم، التأكيد على أن هذه الرؤية المشتركة -ةالتي أقرها مجلس الجامعة على المستوى الوزاري – لم تتضمن أي آليات تنفيذية. لذلك يُحسب للبيان الختامي للقمة أنه أشار إلى أهمية بدء وضع الآليات التنفيذية لذلك. 

وبالتالي، فهنا أيضاً لا نستطيع تقييم فاعلية هذا القرار، قبل أن يتضح هل انتقل لمرحلة التنفيذ أم بقي حبيس حروف كلماته.

ومن القرارات التي أسست لإمكانية تحرك عملي.. ما ورد في البند 16 من البيان الختامي للقمة العربية-الإسلامية بشأن النظر في مدى توافق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.. مع ميثاق المنظمة الدولية؛ بالنظر لانتهاكها الواضح لشروط العضوية، والاستخفاف المستمر بقرارات الأمم المتحدة، مع التنسيق في الجهود الرامية إلى تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، كذلك ما ورد في البند 24 بشأن اتخاذ جميع التدابير الممكنة.. لدعم تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، ضد مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.

 وكذلك الدعوة لبذل الجهود الدبلوماسية والسياسية والقانونية.. لضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها.. بموجب التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، في قضية تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها.. في قطاع غزة. 

وبالإضافة للطبيعة غير الملزمة للقرارين (المتعلقين بعضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وقرارات المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتين)؛ فهما مجرد دعوة للأعضاء، فإنني لم أفهم لماذا خاطب القراران الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي حصراً.. دون الدول العربية؛ علماً بأن هناك 5 دول عربية أعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وبطبيعة الحال فإن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أعضاء في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

والخلاصة، أن السمة الغالبة على قرارات القمتين هي الطابع «الموقفي».. إذا جاز التعبير، بمعنى الاستعاضة بتبني المواقف السليمة، بدلاً عن التحركات العملية. وفي الحالات الاستثنائية – التي تم فيها تجاوز هذا الطابع – فإن هذا التجاوز كان تأسيساً لبدايات.. لا يمكن تقييم مردودها الفعلي، إلا بعد تبين نتائجها. 

وأخيراً، تبقى علامات الاستفهام المتعلقة بالغياب المتكرر، وغير المفهوم، لبعض القادة.. عن حضور القمم؛ خاصة في هذه الأوقات العصيبة.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة