عبدالقادر شهيب
بعد أن كانت معضلة هدنة غزة.. هي الضمانات الأمريكية، التي طلبتها «حماس» من أمريكا.. بالانتقال إلى المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة السابق، الذي تهربت إسرائيل من تنفيذه، أضحت المعضلة الآن.. طلب إسرائيل أن تتخلى «حماس» عن سلاحها، لتوافق على وقف إطلاق النار في غزة!
فقد تقدمت حكومة نتنياهو باقتراح جديد.. لهدنة تمتد إلى سبعة أو ثمانية أسابيع، يتم خلالها الإفراج عن نصف المحتجزين الإسرائيليين الأحياء في غزة.. خلال الأيام الأولى للهدنة، والنصف الآخر في أيامها الأخيرة، مقابل الإفراج عن أعداد من الأسرى الفلسطينيين، وعودة تدفق المساعدات الإغاثية لأهالي القطاع، والبدء من مفاوضات المرحلة الثانية.. في اليوم الثالث من الهدنة. وتضمَّن الاقتراح الإسرائيلي – لأول مرة – طلباً بنزع سلاح «حماس». ورغم أن الوفد المفاوض لـ«حماس» – الذي زار القاهرة مؤخراً – طلب مهلة زمنية مدتها 48 ساعة، لبحث ودراسة الاقتراح الإسرائيلي الجديد – الذي تتكتم عليه حكومة نتنياهو حتى الآن – إلا أن «حماس» سارعت بإعلان رفضها الحاسم.. للتخلي عن سلاحها، مؤكدة أن هذا السلاح خط أحمر!
وإذا كانت إدارة ترامب تتعجل التوصل إلى صفقة جديدة للهدنة، ليبدأ تنفيذها.. قبل أن تبدأ زيارة ترامب للخليج، لتوفير مناخ لنجاحها، وحصوله على ما يبغيه من الدول الخليجية الثلاث.. التي تشملها الزيارة، فإن إدارة ترامب تشاطر إسرائيل طلبها.. في نزع سلاح حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولا تكتفي بإبعادها عن حكم القطاع فقط، بل إنها تدعم الطلب الإسرائيلي الآخر.. بإبعاد قادة حماس عن القطاع.
ويأتي هذا التطور – المعرقل لتحقيق الهدنة في غزة – بعد محاولات مصرية لتحريك مفاوضاتها.. لتجاوز الجمود الذي أصابها، برفض حماس آخر مقترحات «ويتكوف» – المبعوث الأمريكي للمنطقة – الذي كان يقضي بالإفراج عن عشرة من المحتجزين الإسرائيليين في غزة، مقابل عودة تدفق المساعدات الإغاثية لأهالي القطاع، ووقف إطلاق النار بضعة أسابيع؛ وهو ما دفع القاهرة للتقدم باقتراح جديد.. يقضي بالإفراج عن ثمانية من المحتجزين الإسرائيليين، مع بدء مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة السابق، الذي تم تنفيذ مرحلته الأولى فقط، لتستأنف قوات الاحتلال حربها البشعة ضد أهل غزة !
وبينما طلبت «حماس» ضمانات أمريكية حقيقية.. بوقف مستدام لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة.. كما تقضي المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة السابق، فقد ردت إسرائيل بتقديم اقتراحها الجديد.. الذي تضمَّن – لأول مرة – نزع سلاح حماس، مع الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين الأحياء في القطاع، وتسليم جثامين الموتى منهم أيضًا.. مقابل هدنة مؤقتة، وليس وقفاً مستداماً لإطلاق النار، وإنهاء تام لحرب الإبادة للفلسطينيين في غزة.. المستمرة منذ السابع من أكتوبر عام 2023؛ التي دمرت معظم مباني ومنشآت القطاع، وأودت بحياة نحو 51 ألف شهيد، وضعفهم من المصابين، وحولت كل سكان القطاع إلى نازحين بشكل دائم ومستمر.. في مساحة ضيقة من أراضىه.
والأغلب، أن رد «حماس» على هذا الاقتراح الإسرائيلي.. سيكون في شكل طلب تعديلات عليه، تقضي باستبعاد ما ترفضه فيه؛ مثل نزع سلاحها، وربط الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين في القطاع.. بتنفيذ قوات الاحتلال انسحابها من أراضي القطاع، وذلك بضمانات أمريكية جادة في هذا الشأن، نظراً لأن أمريكا – هي وحدها – القادرة على إلزام إسرائيل بوقف الحرب، والانسحاب من أراضي القطاع، مع تكرار تعهُّد حماس.. بأنها لن تعود لحكم القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي منه. والأغلب أيضاً، أن حكومة نتنياهو – الراغبة في استمرار الحرب، وغير المكترثة بالضغوط الداخلية عليها.. التي تستهدف وقفها – لن تقبل أيضاً التعديلات التي ستطلبها حماس. وهنا سوف تتجه الأنظار إلى أمريكا، ومبعوثها للشرق الأوسط؛ لتقديم اقتراح جديد للهدنة.. تلزم إسرائيل بقبوله، والشروع في تنفيذه.. قبل زيارة ترامب الخليجية.
وهكذا، إذا كانت – الآن – مفاوضات الهدنة متعثرة.. إزاء ما يعرقلها من معضلات الضمانات الأمريكية، التي تطلبها «حماس»، والطلب الإسرائيلي بنزع سلاح «حماس»، فإن الرهان الآن على رغبة ترامب.. أن تتم زيارته الخليجية في هدوء، وأيضاً على الضغوط الإسرائيلية – التي وصلت إلى الجيش، ومارسها جنود وضباط – للتوصل إلى صفقة للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، حتى ولو كان الثمن هو وقف الحرب.. أما إعلان «حماس» انقطاع الاتصالات مع المجموعة المسلحة – التي تحتجز الأمريكي الجنسية الحي الباقي في غزة – فليس معروفاً تأثيره بعد.. على مفاوضات الهدنة، ولكنه سوف يزعج واشنطن.
نقلاً عن «أخبار اليوم»