أحمد يوسف أحمد
تناول الجزء الأول من هذه المقالة في الخميس الماضي معضلة نزع سلاح «حزب الله».. على ضوء السياسة اللبنانية الجديدة منذ تولي العماد جوزيف عون رئاسة الجمهورية، والتي تمثل أحد أبعادها الرئيسية في حصر السلاح بيد الدولة، وإن كان قد أكد حساسية الموضوع التي تجعل تحقيق هذا الهدف برأيه رهناً بتوافر الظروف الملائمة وعبر الحوار، وذلك تفادياً لأي احتمال لفتنة أو حرب أهلية هي آخر ما يحتاجه لبنان، وقد استعرضت المقالة التطورات التي أفضت إلى تراجع واضح للحزب بعد أن مكَّنت هذه التطورات من التوصل لبنية جديدة للسلطة في لبنان.. ليس لحزب الله نفوذ عليها كما كان في السابق، كما أنه يتعرَّض لضغوط إسرائيلية وأمريكية تهدد صراحة.. بأنه لا إكمال للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ولا إعادة للإعمار ومساعدات بصفة عامة.. إلا بنزع سلاح الحزب، وتشارك في هذه الضغوط دوائر لبنانية وعربية.
وبالمقابل فإن الموقف الواضح للحزب هو رفض نزع السلاح – خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تحتل فيها إسرائيل أراضي لبنانية – ومن هنا فإن أي محاولة لنزع سلاح الحزب بالقوة، سيكون لها مردودها السلبي الذي يبدأ بعدم استقرار، ويمكن أن يصل لحرب أهلية، واقترحت المقالة – في نهايتها – أن يكون مدخل الحل هو وضع المسألة في سياقها الأعم، وهو الخطر الإسرائيلي على لبنان.
وأتصور أن هذا المدخل.. يعيد الأمور إلى سياقها الصحيح؛ أي الخطر الإسرائيلي على لبنان، فلقد دأبت إسرائيل على تصوير أنها موضع تهديد من الجميع، وبالتالي فهي بحاجة دائماً إلى ضمانات أمنية؛ عادةً ما تكون على حساب سيادة الدول المعنية وأمنها، مع أن العكس هو الصحيح، أي أن إسرائيل هي التي تمثل تهديداً للآخرين، الذين يحتاجون لضمانات تكفل صيانة أمنهم.. في وجه الخطر الذي تمثله عليهم، والاعتداءات الفعلية التي تميز سلوكها نحوهم. وإذا تحدثنا عن لبنان تحديداً، يكفي أن نتذكر غزو جنوب لبنان في 1978، ثم اجتياحها الشامل للبنان في 1982، ووصولها إلى العاصمة اللبنانية وعمليات القصف المتكرر في تسعينيات القرن الماضي، وبالذات مذبحة قانا.. التي أودت بحياة مائة من المدنيين، كانوا يحتمون بملجأ تابع للأمم المتحدة في 1996، وهي المذبحة الشهيرة.. التي تسببت في عدم التجديد للدكتور بطرس غالي لولاية ثانية كأمين عام للأمم المتحدة، بعد إصراره على إذاعة نتائج التحقيق التي أدانت إسرائيل في تلك المذبحة، وعقاب الولايات المتحدة له على هذا السلوك.. باستخدام الفيتو ضد مشروع قرار التجديد له في مجلس الأمن، الذي وافق عليه جميع أعضاء المجلس عداها، ثم العدوان الإسرائيلي الشهير على لبنان في 2006، الذي لم تتمكن فيه إسرائيل من كسر شوكة المقاومة، وسوف تقول بطبيعة الحال إنها فعلت كل ما سبق حماية لأمنها من هجمات المقاومة الفلسطينية.
هذا هو بيت القصيد، فالأصل في الموضوع كله أن إسرائيل.. حالة استعمارية تقليدية تفضي إلى نشوء حركات مقاومة للاستعمار، كما تفيد بذلك خبرات التحرر الوطني عبر التاريخ، ولذلك تحاول إسرائيل دائماً أن تبدأ القصة من منتصفها، كما فعلت في عملية «طوفان الأقصى» عندما أسَّست كل دعايتها.. على وحشية المقاومة الفلسطينية وإرهابها، دون أدنى ذكر لممارساتها في فلسطين بصفة عامة – وفي غزة بصفة خاصة – وبالذات بعد احتلالها في 1967، وحصارها بعد أن أجبرتها المقاومة على الانسحاب منها في 2005.
والمهم في الاستعراض السابق.. لبعض الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، أن هذه الاعتداءات سبقت نشأة «حزب الله» وتكوينه؛ أي أن الأصل هو العدوان على لبنان، وليس التهديد الذي يمثله الحزب لإسرائيل، ويُعتبر السلوك الإسرائيلي الحالي تجاه سوريا، خير دليل على صحة هذا التحليل، إذ لم يترك حكام دمشق الجدد مجالاً لأي شك.. في نياتهم السلمية تجاه إسرائيل، فكان جزاؤهم إلغاء اتفاق فض الاشتباك مع سوريا 1974، واحتلال المنطقة العازلة وموقع جبل الشيخ الاستراتيجي، والأخطر تدمير الجيش السوري والصناعات ومراكز البحث العسكرية السورية، وهذا هو ما تريده إسرائيل، بمعنى أن تكون القوة العسكرية لكل من يحيط بها صفراً على الشمال، كي تكون يدها مطلقة في مواجهتهم، وقد بلغت بها الصفاقة مبلغها.. في حديثها عن القوات المصرية في سيناء والمطالبة بسحبها، وهي تعلم تمام العلم أن مصر احترمت التزاماتها بموجب معاهدة السلام.. لمدة تقارب نصف القرن، ومع ذلك فهي تثير الموضوع.. على أمل أن تجعل من سيناء يوماً ما ساحة لعربدتها، كما تفعل في أماكن أخرى كثيرة، وهو هدف مستحيل بفضل وعي مصر وقوة جيشها.
ويُفضي كل ما سبق، إلى أنه إذا كانت إسرائيل تريد نزع سلاح «حزب الله»، فعلى الرحب والسعة.. شريطة توازن معادلة الأمن بين طرفيها، فإذا كان الحزب يمثل خطراً على أمن إسرائيل، فإنها تمثل خطراً لا يُقارن على أمن لبنان، ولذلك فإن نزع سلاح الحزب لا يمكن أن يتم، قبل التوصل إلى اتفاق تنسحب إسرائيل بموجبه.. من جميع الأراضي اللبنانية، وتكون هناك ضمانات أكيدة وحقيقية وفعالة لأمن لبنان.. من مجلس الأمن، لأن إسرائيل دولة لا تحترم التزاماتها القانونية، كما حدث في اتفاقين للهدنة مع المقاومة في غزة، ومع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، واتفاق فض الاشتباك مع سوريا مؤخراً، وترتيبات محور صلاح الدين مع مصر. وأعتقد أن هذه المعادلة يجب أن تكون موضع إجماع وطني في لبنان.. الذي ندعو الله أن يحفظ أمنه، ويوفق قواه الفاعلة لكلمة سواء.
نقلاً عن «الأهرام»