Times of Egypt

مصر وغزة.. حين يُستهدف من يقف مع الحق 

M.Adam

د. بدر عبد العاطي

في خضمِّ عدوان غير مسبوق، يُشن على قطاع غزة – منذ أكتوبر 2023 – وبينما تتصاعد آلة القتل ضد المدنيين العُزل، فوجئ الرأي العام الدولي.. بسلسلة اعتداءات طالت بعض السفارات المصرية في الخارج، بزعم ان مصر تُحاصر القطاع، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية. 

تلك الادعاءات – التي تفتقر إلى أي اساس واقعي – لا تصمد امام الحقائق، وتكشف عن دوافع سياسية مشبوهة ومريبة.. تخدم الاحتلال، وتُضلل الرأي العام العربي والدولي.

إن استهداف البعثات الدبلوماسية المصرية.. لا يُعد تعبيراً عن احتجاج، بل هو اعتداء علي السيادة، وضرب للذات الوطنية، وتشجيع علي الانقسام الداخلي، وانحراف عن مسار النضال الحقيقي، بما يخدم اجندات لا تمت للوطن بصلة. 

فهل من الطبيعي ان يهاجم مواطن مصري سفارة بلاده في الخارج؟ أليست هذه البعثات تُمثل الدولة المصرية، ويعمل بها مواطنون مصريون؟ 

إن الاعتداء عليها.. يصب في مصلحة من يسعي إلى تقويض دور مصر الإقليمي والإنساني، كما انه يُعد انتهاكاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تُلزم الدولة المُضيفة.. بمسؤولية حماية البعثات المتواجدة بها، وبالتالي تُمثل الاعتداءات.. اخلالاً بأمن السفارات المصرية.

الغضب من حصار غزة.. مشروع، بل واجب اخلاقي وإنساني. غير ان توجيه هذا الغضب نحو مصر.. يُعد قلباً للحقائق، وتزييفاً للوعي؛ فإسرائيل هي الطرف الذي يشن حرباً غير إنسانية.. علي غزة؛ قتلت خلالها أكثر من 62 الف فلسطيني، وجرحت أكثر من 100 الف، بينهم أكثر من 12 الف طفل. استخدمت ادوات القتل والتجويع، ومنع توفير الدواء والخدمات الطبية، واستهتفت المستشفيات والمدارس ودور العبادة والبنية التحتية.

في المقابل، أبقت مصر معبر رفح مفتوحاً.. منذ اندلاع الحرب، لتسهيل عبور المساعدات الإنسانية، والفلسطينيين قاصدي العلاج في مصر. أما الجانب الفلسطيني من المعبر، فقد خضع لاحتلال وسيطرة إسرائيلية، وتعرَّض للقصف عدة مرات.. مما حال دون دخول الكثير من الشاحنات، رغم جاهزية مصر.

ولم تكتفِ مصر بفتح المعبر، بل تجاوزت ذلك.. بتقديم دعم إنساني غير مسبوق؛ إذ دفعت بآلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات إلى قطاع غزة، مساهمة بأكثر من 70%.. من إجمالي المساعدات الإنسانية التي وصلت إليه، كما نفذت عمليات إسقاط جوي للمساعدات، وخاضت مفاوضات شاقة مع الجانب الإسرائيلي.. لضمان مرور المساعدات الإنسانية للقطاع. 

وفي السياق ذاته، وفي خطوة تعكس التزامها العميق بالقضية الفلسطينية، استضافت القاهرة في ديسمبر 2024.. المؤتمر الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة – بمشاركة أكثر من 100 وفد دولي – في تأكيد واضح على ريادتها الإنسانية والدبلوماسية.. لصالح الشعب الفلسطيني، كما تعتزم مصر استضافة مؤتمر دولي من أجل التعافي المبكر، وإعادة الإعمار في قطاع غزة.. لتنفيذ الخطة العربية-الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة.. فور التوصل لوقف إطلاق النار في القطاع.

موقف مصر من القضية الفلسطينية.. واضح وحازم؛ لا لتهجير الفلسطينيين، لا لتصفية القضية، لا للمساس بحقوق الشعب الفلسطيني. وفي المقابل، تسعي إسرائيل إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية. كما أن التهجير يفتح الباب أمام موجات نزوح وهجرة غير شرعية.. غير مسبوقة، سوف تهدد أوروبا والعالم بأسره.

وعلى الصعيد السياسي، تضطلع مصر بدور محوري.. في جهود الوساطة الدولية – بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية – في مفاوضات صعبة ودقيقة.. بين إسرائيل وحركة حماس، تهدف إلى التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وبحث ترتيبات ما بعد الحرب؛ بما يضمن إعادة اعمار القطاع.. دون تهجير أهله. هذه الوساطة ليست مجرد تحرك دبلوماسي، بل تعبير عن مسؤولية تاريخية.. تتحملها مصر تجاه القضية الفلسطينية، وذلك في وقت يبدو فيه وجود حرص من جانب الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.. علي مواصلة الحرب.

ويبقي السؤال؛ من له مصلحة في تشويه صورة مصر؟ من يستفيد من تحويل الغضب الشعبي عن إسرائيل.. إلى مصر؟ إن استهداف السفارات المصرية يكشف دوافع سياسية داخلية، لا إنسانية، ويصب في مصلحة الاحتلال.. عبر تشتيت الضغط الدولي عنه، وتحميل مصر مسؤولية جرائم لا ترتكبها.

الخلاصة، ان استهداف السفارات المصرية.. بزعم حصار غزة؛ هو قلب للحقائق، وتزييف للدور المصري.. الذي كان – ولا يزال – صمام أمان للقضية الفلسطينية. من يغلق بوابات سفارات مصر.. تاركاً المعتدي، لا يدافع عن غزة، بل يهاجم من يقف معها، ويخدم أجندات.. تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. 

إن الضغوط التي تتعرَّض لها مصر، علي إثر موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، ورفضها لتهجير الفلسطينيين، هي أمر متوقع. والتصدي لذلك، يتحقق.. بقوة مؤسسات الدولة وأجهزتها، وقبل ذلك.. بوحدة الشعب المصري ووعيه، وإدراكه لحجم التحديات، وصلابة جبهته الداخلية.

* وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة