عبدالله عبدالسلام
«لا يمكن لأحد أن يمنعك من الحلم.. الحياة سعي دائم نحو تحقيق الأمل.. الأمل هو الشعور الذي لا يتوقف عن النمو». لم أجد إنساناً تنطبق عليه هذه المقولات.. لأديبنا العظيم الراحل نجيب محفوظ، أفضل من الأديب والناقد الكبير محمود عبدالشكور، الذي فاز مؤخراً بجائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» عن روايته «أشباح مرجانة». منذ تعرفت عليه قبل 40 عاماً، ظل انطباعي عنه دون تغيير. إنسان يطارد حلماً ويسعى إلى أمل. تشعر، وهو يحدثك، أن ثالثكما هو طموحه لتحقيق شيء ما.
نحيل الجسم، طويل القامة، هادئ الطباع. كلامه مصحوب دائماً بابتسامة، بل ضحكة مجلجلة. متفوق دائماً، (الأول على دفعة الصحافة بإعلام القاهرة 1987)، لكنه لم يكن مجرد «تلميذ» نجيب. أبناء دفعتنا يعرفون حبه للسينما والفن والثقافة والقراءة. والده، الحاصل على ماجستير الفلسفة، كان تلميذاً للراحل زكي نجيب محمود. غرفته بالمدينة الجامعية كانت بالنسبة لنا.. صالوناً ثقافيّاً يغلفه رُقي في تعامل، وصداقة لا تبتغي مصلحة شخصية، وتعفف عن الصغائر والنميمة. اختار العمل الصحفي وليس الأكاديمي، لكن البدايات كانت قاسية؛ مثلما يحدث مع غالبية أبناء الأقاليم.. الطموحين لمكان تحت شمس القاهرة، فإذا بالحياة تُمعن في وضع الأسلاك الشائكة أمامهم. كان سلاح صاحبنا الصبر والعزيمة.. بفضل مخزونه الهائل من الثقافة والموهبة والإرادة. والأهم أنه كان لديه ملامح مشروع فكري سعى جاهداً لإنجازه.
وبينما كان يحاول إثبات نفسه صحفيّاً – خلال التسعينيات وبداية الألفية الجديدة – لم ينسَ مشروعه. أصدر لاحقاً كتابين شديدي الأهمية: الأول بعنوان: «كنت صبيّاً في السبعينيات.. سيرة ثقافية واجتماعية» يؤرخ فيه لهذا العقد من وجهة نظر صبي واعٍ.. ومُدرك للتحولات الاجتماعية والسياسية والفنية والكروية، وكيف تغيرت حياة الأسر المصرية. والثاني: «كنت شابّاً في الثمانينيات»، ويتحدث فيه بعيون شاب جامعي عن حياته الجامعية وانغماسه في الثقافة بمختلف أشكالها.. من أفلام وكتب وموسيقى، في تأريخ اجتماعي مبدع يربط بين الخاص والعام.
خلال السنوات العشر الماضية، نضج الكاتب وأصبح أحد أهم نقادنا في الفن والأدب.. الذين يمتلكون الموهبة والذائقة ويتسلحون بالعلم والرؤية والمصداقية. يقول عبدالشكور: «القواعد والدراسة لا تكفي لصناعة ناقد مهم. يجب أن يكون الناقد شغوفاً بقراءة الأعمال الأدبية والسينمائية. العوالم الأدبية والسينمائية متضافرة، وكل منهما يوصلني للآخر».
ثم يخطو الناقد خطوة أخرى في مشروعه، وتكريس نفسه كأحد أهم المبدعين الروائيين حالياً. أصدر 3 روايات هي: «حبيبة كما رواها نديم»، و«ألوان أغسطس»، و«أشباح مرجانة»، إلى جانب مؤلفات نقدية عديدة عن مبدعين مصريين أو دراسات عن السينما. ورغم جهده ونشاطه الكبير على الساحتين الأدبية والسينمائية، لم يتقدم ولم يفُز بأي جائزة مصرية. لا يجيد فن الشللية، ولا الكتابة.. إلا عما ومَن يحب ويقتنع.
محمود عبدالشكور.. امتداد لسلسلة ذهبية من النقاد والأدباء الكبار، لكننا في زمن.. لا يجيد أبناؤه الفرز أو تقدير المبدعين، وهم أحياء. نحن، للأسف، لا نعترف سوى بعظمة الماضي.
نقلاً عن «المصري اليوم»