Times of Egypt

مستقبل جهود التسوية في غزة

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

أشفق على المقاومة لصعوبة الخيارات التي تواجهها.. في ردها على الخطة/الإنذار، التي تنطوي على إيجابيات لا شك فيها، لكنها غير مضمونة.. لاعتبارات تتعلق بصياغات الخطة ذاتها، أو لسجل إسرائيل السلبي.. في التنكر لالتزاماتها، لكن المقاومة فاجأتنا برد بالغ الذكاء؛ لا شك أنه جاء محصلة لرؤية «حماس»، ومشاوراتها مع باقي الفصائل، والدول.. الحريصة على المصلحة الفلسطينية، ومصر في صدارتها. 

وقد كان بمقدور «حماس».. أن تجد مبررات عديدة للرفض؛ فالخطة تتحدث عن تطهير غزة من الإرهاب.. دون ضمان لتخليصها من الاحتلال، وتعامل المقاومين كمجرمين.. يمكن العفو عنهم. وتزخر بالعبارات غير المحددة؛ كالانسحاب للخط «المتفق عليه».. دون تحديد له، أو لمن اتفق عليه. وترهن بقاء إسرائيل في «المحيط الأمني».. بإتمام تأمين غزة من مخاطر أي تهديد إرهابي؛ وهو شرط.. ما أسهل أن تدَّعي إسرائيل عدم توافره. أو تعليق فتح المسار «نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية».. على تقدُّم إعادة إعمار غزة، وتنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية؛ وهي عملية ممتدة وبالغة التعقيد، أو «لجنة السلام» – برئاسة ترامب – التي ستشرف على اللجنة الفلسطينية.. التي ستكون مسؤولة عن الخدمات اليومية لسكان غزة. ناهيك بهواجس المستقبل الاقتصادي لغزة.. في ظل الأفكار التي سبق لترامب الإفصاح عنها.

وقد تعددت أبعاد الذكاء في رد «حماس»؛ فبدأ بمحاولة لكسب دعم الأطراف المنخرطة في الخطة، أو تحييدها على الأقل؛ وذلك بالإعراب عن تقدير «حماس».. لجهود الدول العربية والإسلامية، والدول الأخرى، وجهود ترامب.. الداعية لوقف الحرب، وتبادل الأسرى، والدخول الفوري للمساعدات، ورفض احتلال غزة، وتهجير شعبها؛ وهي أبرز حسنات خطة ترامب. وفيما يتعلق بخطوات التنفيذ، وافقت على الإفراج عن جميع محتجزي الاحتلال.. أحياءً وجثامين.. وفق صيغة التبادل التي وردت في الخطة.. وهي تعلم التركيز الشديد لترامب على هذا الهدف، لكنها ربطت هذا.. بتوافر الظروف الميدانية لعملية التبادل، مع إبداء استعدادها للدخول في مفاوضات – عبر الوسطاء – لمناقشة التفاصيل. كما جددت الحركة موافقتها على تسليم إدارة غزة.. لهيئة فلسطينية من المستقلين.

وقد جاء استخدام فعل «جددت» – عند الحديث عن موافقة «حماس» على تسليم إدارة غزة – لأنه سبق لها بالفعل.. أن وافقت على هذه الفكرة المصرية، ويُلاحظ أن الرد تجنب الإشارة للجنة السلام.. التي سيرأسها ترامب. أما ضربة المعلم في رد حماس، فجاءت في النص على أن ما ورد في مقترح ترامب.. من قضايا تتعلق بمستقبل غزة، وحقوق الشعب الفلسطيني، مرتبط بموقف وطني جامع، واستناداً إلى القوانين والقرارات الدولية، وتتم مناقشته من خلال إطار وطني فلسطيني جامع.. ستكون «حماس» من ضمنه، وستسهم فيه بكل مسؤولية. وبهذا ضربت عصفورين بحجر؛ فهي من ناحية.. أكدت أن مستقبل غزة ليس قضيتها وحدها، ومن ناحية أخرى.. أسست لفكرة أن استبعادها من الحكم، لا يعني استبعادها من المشاركة في حوارات المستقبل.

وقد جاء ترحيب ترامب برد «حماس» فورياً، واعتبره دليلاً على أن «حماس».. مستعدة لسلام دائم، وحث إسرائيل على «التوقف فوراً» عن قصف غزة، لضمان إطلاق سراح المحتجزين، وقد مثَّل هذا الموقف مفاجأة للبعض.. أو حتى الكثيرين، غير أن تفسيره ممكن.. على ضوء ذكاء رد المقاومة أولاً؛ فكما أنه ليس قبولاً مطلقاً، إلا أنه لا يمكن اعتباره رفضاً. كذلك فإنه من الواضح أن ترامب – رغم انحيازه لإسرائيل، وتقلب مواقفه – حريص على نجاح جهوده، وثمة تقارير تشير إلى أنه بدأ يضيق بنتنياهو، الذي يمثل – كالعادة – العقبة الأولى في طريق التوصل لاتفاق؛ ففي معرض رد الفعل لحديث ترامب.. عن التوقف فوراً عن قصف غزة، ادعى – وقيادته العسكرية – أن العمليات القتالية أصبحت مقصورة على الدفاع، وهو ادعاء يسمح له بالاستمرار في القتل والتدمير.. كما يشاء. تماماً. غير أن ثمة مؤشرات على المضي قُدُماً في محاولة التوصل لاتفاق، كما في اجتماعات شرم الشيخ.

وبالتأكيد ستكون هناك معارك دبلوماسية ضارية، ليس لأن التوصل إلى تفاهمات متوازنة مستحيل، ولكن لأنها لا تتسق والمفهوم العبثي للنصر المطلق.. الذي يتبناه نتنياهو. وسوف تتوقف نتيجة هذه المعارك.. على عوامل أساسية؛ منها – وليس أهمها – موقف ترامب المحاصَر.. بين رغبته في إنجاز الصفقة، وبين محاولات نتنياهو المستميتة لتخريبها، غير أن العامل الأهم هو – دون شك – هو البراعة الدبلوماسية للمقاومة، وقدرتها على الصمود في الساحة التفاوضية.. كما صمدت في ميدان القتال. وسوف يلعب التنسيق مع الوسيطين العربيين – مصر وقطر – بالتأكيد.. دوراً مهماً في هذا الصدد.

غير أن ثمة مسألة أخرى.. أود أن أختم بها؛ وهي أن تكون هذه المعركة الشاقة.. مناسبة لإطلاق إشارة البدء في مهمة أخرى – بالغة الأهمية – هي استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.. التي سيكون لها – دون أدنى شك – أبلغ الأثر في ترجيح الكفة الفلسطينية في ميزان المفاوضات، وما يشجعني على هذا، أن رد «حماس» كان واضحاً.. في أن المفاوضات الحالية تتعلق بمستقبل فلسطين وشعبها. ولذلك، من المنطقي والمفيد أن يشارك فيها جميع الفصائل والسلطة الفلسطينية، وإذا كان من المستحيل إجرائياً.. أن تتم هذه المشاركة على نحو مباشر، فليكن هناك ظهير فلسطيني وطني.. يضم الجميع، ويدعم المفاوض الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة.. بالرؤى الشاملة؛ التي تكون غايتها المصلحة الفلسطينية العليا، فهذا هو السبيل الوحيد للنصر.. على من يريدون تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد. ولن يكون لهم ذلك بإذن الله. 

ولذلك، أوجه نداءً إلى كل من يعنيه الأمر.. في فلسطين الحبيبة، بأن أجراس الوحدة الوطنية تدق، ويجب أن يعلو صوتها.. فوق أي صوت آخر. ولقد مورست طويلاً.. رفاهية الانشقاق والخلاف، بل والصدام. وآن الأوان للاتفاق على أن استمرار الانقسام.. مكافئ لخيانة المصالح الفلسطينية العليا.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة