Times of Egypt

مزاعم إسرائيل الكبرى

M.Adam
هالة مصطفى

هالة مصطفى

في مقابلة مع قناة 24 نيوز الإسرائيلية الأسبوع الماضي، أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتصريح.. اعتبره الكثيرون صادماً، عندما سأله المذيع شارون جال المعروف بانتماءاته اليمينية المتطرفة، بعد أن أهداه قلادة تحمل خريطة موسعة لحدود بلاده الحالية، تشمل فلسطين وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر، لما تسمى «أرض الميعاد».. إذا ما كان يشعر بارتباط مع هذه الرؤية. فكان رده حاسماً.. بأنه يرتبط بها جداً، وأنه يقوم بـ «مهمة تاريخية وروحية؛ لتحقيق أحلام أجيال متعاقبة من الشعب اليهودي». وبذلك أفصح صراحة.. عن عقيدته الفكرية والسياسية، ومشروعه الأيديولوجي.. حول فكرة «إسرائيل الكبرى»؛ التي تستند في بعض صيغها إلى مراجع دينية توراتية، وتختلف النسخ المطروحة بشأنها.. فمنها ما يمتد ليشمل كامل أرض فلسطين أي من النهر إلى البحر، وأخرى تضيف إليها أراضٍ من دول الجوار.

وعقب هذا الحديث، أصدرت 31 دولة عربية وإسلامية – إضافة إلى الأمناء العامين لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي – بياناً مشتركاً.. لإدانة ما ورد به؛ باعتباره يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ولأسس العلاقات المستقرة بين الدول، وسيادتها على أراضيها، مثلما يهدد السلم والأمن الإقليميين. 

لكن السؤال: هل كان نتنياهو جاداً في طرح هذا السيناريو، وأنه أطلقه بشكل عفوي لتنفيذه فعلياً؟ أم أنه كان تسريباً متعمدًا.. لفكرة متخيلة، ليست لها سقف زمني؛ يستطيع من خلالها تمرير أجندته الآنية في حرب غزة، وتحقيق أقصى مكاسب ممكنة منها؟ 

بعبارة أخرى هل أراد توظيف هذا الخطاب، في هذه المرحلة الحرجة من العمليات العسكرية.. لاجتياح واحتلال كامل غزة، وبالتالي تجميع أوراق ضغط إضافية في مجمل الملفات الإقليمية الشائكة؟ أم كانت رسالة طمأنة لقاعدته اليمينية وحلفائه في الائتلاف الحكومي الحاكم تدعيماً لسياساته؟ أو أن هدفه كان كل ذلك؟

مصطلح «إسرائيل الكبرى».. ليس جديداً: إذ يرجع إلى ما قبل إنشاء الدولة العبرية، والاعتراف بها دولياً في 1948، فلم تحدد في دستورها حدوداً جغرافية، ما يفيد بأن حدودها الحالية.. ليست سوى مرحلة مؤقتة، وكان حزب الليكود – الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي – من أشد مؤيدي هذا المصطلح؛ باعتبار أن الوطن القومي لليهود، يجب أن يمتد ليشمل فلسطين وشرق الأردن، ولذا عارض – منذ تأسيسه – إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وقدم تعهداً في برنامجه بعدم التنازل عن الضفة الغربية، وقطاع غزة، وهو ما يعكس تنصله عملياً من «حل الدولتين».

إلا أن هذا المصطلح توارى لفترة طويلة، إلى أن عاد مرة أخرى إثر حرب 1967.. بعد أن استولت على كثير من الأراضي، لكنها – في النهاية – أعادت سيناء لمصر.. بموجب اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام عام 1979،  بينما ضمت القدس الشرقية والجولان رسمياً.. بعد ذلك بسنوات – بموجب قوانين أحادية – في حين بقيت الضفة وقطاع غزة تحت الاحتلال المباشر.. دون إعلان عن ضمهما بصورة رسمية؛ رغم السياسة الاستيطانية المكثفة.. التي عزَّزت السيطرة الفعلية عليهما، ثم تراجع استخدامه في التسعينيات – مع توقيع اتفاقيات أوسلو 1993، التي من المفترض أنها فتحت الباب أمام إقامة الدولة الفلسطينية – لكن ذلك لم يحدث على مدى العقود الماضية، فقط تراجع استخدام شعار «إسرائيل الكبرى».. على مستوى الخطاب المعلن، وإن بقي حاضراً – في العقيدة السياسية والدينية – ويزداد عند اليمين المحافظ.

اليوم – وبسبب التعقيدات التي تشهدها الحرب والخلافات الداخلية الحادة التي تموج بها الساحة الإسرائيلية – عادت حكومة تل أبيب للتلويح بهذه الورقة.. سعياً لتوظيفها في الداخل والخارج، ومستفيدة – في ذلك – من تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. قبيل لقائه رئيس وزرائها بواشنطن الأشهر الفائتة، حول صغر حجم دولة إسرائيل؛ إذ قال نصاً – في رده على أحد المراسلين في أثناء اجتماع عقده بالمكتب البيضاوي قبيل الزيارة – «إنها دولة صغيرة جداً من حيث المساحة، مقارنة بمحيطها الجغرافي، رغم امتلاكها العقول والتكنولوجيا المتقدمة والمقومات الحضارية، ولكن كما تعلمون ليس هناك شيء مستحيل». 

… لم يكن ذلك هو التصريح الأول من نوعه، فخلال حملته الانتخابية، قال «إنها قطعة أرض صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت في كيفية توسيعها»؛ ما يعكس خطاً ثابتاً في منهج تفكيره وسياسات إدارته، التي ربما لا يختلف على جوهرها الجمهوريون والديمقراطيون.. إلا في اللغة المستخدمة، ومدى صراحة التعبير عنها. لكن الملاحظة الأساسية، أن هذه التصريحات جاءت رداً على سؤال.. مفاده، إذا ما كان سيدعم ضم إسرائيل الضفة الغربية، وكذلك ما يخص ضمانات صمود أي هدنة في غزة، وهو ما يؤكد أن القضية الأساسية المطروحة فعلياً.. هي ما ترتبط بهاتين المنطقتين، وأن الحديث عن «إسرائيل الكبرى».. ليس سوى غطاء لتحقيق ذلك الهدف المحوري. 

هذا بالضبط ما تريده إسرائيل؛ فهي تدرك جيداً أن صعودها إقليمياً اليوم، يعطيها فرصة أكبر للتوغل في الضفة وغزة، فلم تعد هناك قوة تهددها.. بعدما حيدت إيران؛ بفعل التدمير الهائل الذي لحق بقدراتها الهجومية، وبالبنية التنظيمية لوكلائها الإقليميين.. وفي مقدمتهم حماس وحزب الله، وميليشياتها المسلحة في سوريا والعراق واليمن. وهي بذلك تبغي تشكيل المنطقة.. وفق منظورها السياسي ومصالحها، ومن هنا تخوض أطول وأشرس حرب في تاريخها الحديث، وفي مسار الصراع العربي الإسرائيلي، ولذلك ارتبطت عملياتها القتالية في غزة.. بهجوم مستمر على الضفة الغربية. ومؤخراً صوت الكنيست – في يوليو من العام الحالي – على قرار يدعم الاستيلاء على كليهما، وترجمه نتنياهو بعدم الاعتراف بأي منهما في حكم القطاع، واقترح أن تتولاه إدارة مدنية من التكنوقراط.. بعيداً عنهما، تكون تحت إشراف دولي تقوده الولايات المتحدة، علاوة على تهجير معظم سكانه.

باختصار، هناك مبالغة مقصودة فيما يعرف بـ «إسرائيل الكبرى»؛ إذ من الصعب تحقيقها جغرافياً وديموغرافياً، لأن إسرائيل محكومة بـ «يهودية» الدولة، التي تأبى استيعاب الاختلافات الإثنية والعرقية والدينية، علاوة على عدم إمكان دخولها في صراع مباشر مع الدول الإقليمية الكبرى. 

… أي هي مجرد ورقة ضغط.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة