عبدالله عبدالسلام
في مؤتمر صحفي نادر عقده في فيينا عام 1979، سقط الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف مغشياً عليه، مما اضطر اثنين من رجال المخابرات السوفيتية.. إلى حمله – على مرأى ومسمع من العالم – كان السقوط نتيجة حملة تستُّر على صحته.. التي تدهورت قبل ذلك بسنوات، لكن كان ممنوعاً تماماً الحديث عنها.
حكم بريجنيف بلاده – والعالم الاشتراكي – من سريره أو المستشفى. وبعد وفاته عام 1982، خَلفه عجوز ومريض آخر، هو يوري أندروبوف.. الذي توفي 1984، ليتولى عجوز ثالث هو قسطنطين تشيرنينكو الذي مات 1985.
كانت الظاهرة صارخة، لكنها ليست استثنائية. في دول كثيرة – ديمقراطية وشمولية – يتم التستر على صحة الرئيس. الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، توفي 1974.. بمرض لم يتم إبلاغ الفرنسيين عنه من قبل. فرانسوا ميتران حكم فرنسا مصاباً بسرطان البروستاتا، دون أن يتم الكشف عن ذلك. رونالد ريجان تولى الرئاسة الأمريكية.. وهو يعاني أمراضاً عديدة، إلى أن انتهى الأمر إلى إصابته بألزهايمر.
في عام 2024، أعاد التاريخ نفسه. بايدن كان مصاباً بأمراض عقلية وجسدية، لكن الدائرة المحيطة به، والنخب الليبرالية.. تواطأت على إخفاء ذلك، حتى لا يفوز ترامب بالرئاسة.
في كتاب صدر حديثاً بعنوان: «الخطيئة الأصلية: تراجُع الرئيس بايدن والتستر عليه وقراره الكارثي بالترشح مجدداً»، يكشف الصحفيان جيك تابر وأليكس تومسون.. أسرار عملية التستر الكبرى على تدهور صحة بايدن. من خلال مقابلة 200 مسؤول.. في البيت الأبيض وحملة الانتخابات الرئاسية، يتبين أن الجميع تقريباً كان يعلم أن صحة بايدن.. لا تساعده على الترشح مجدداً، لكن قيادات الحزب الديمقراطي ووسائل الإعلام الليبرالية أغلقوا أعينهم وعقولهم. لم يرغبوا في قول الحقيقة.. المتمثلة في رئيس مرتبك، بلغ من العمر عتياً. كلامه غير مفهوم ومشتت. فقد القدرة على تذكُّر الأسماء والوجوه (فشل في التعرُّف على الممثل المشهور جورج كلوني.. في حفل لجمع التبرعات لحملته). يشير إلى ماكرون بأن ميتران.ز كان يتحرك كما لو كان إنساناً آلياً.
تكوَّن ما يشبه الإجماع – بين إدارة بايدن والحزب الديمقراطي والصحافة والإعلام – على أنه من غير اللائق، بل من المحرمات، إظهار اهتمام مبالغ فيه بالحالة الصحية لبايدن. ورغم أن فضيحة تفجرت.. عندما انتهى المحقق الخاص روبرت هُور، من تحقيق بشأن نقل بايدن صناديق مليئة بالوثائق السرية إلى منزله، إلى القول بأنه لا ينبغي توجيه اتهام إلى رجل مسن.. ذاكرته ضعيفة – لدرجة أنه لم يعرف متى توفي ابنه بو – إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً، وظل التستر هو السياسة المثلى. المثير، أن المؤلف جاك تابر – المذيع البارز في «سي إن إن» – شارك في هذا التستر.
لم ينكشف الأمر إلا خلال مناظرة بايدن وترامب.. في يونيو 2024؛ عندما قال بايدن كلاماً غير مفهوم، وبدا شارداً.. غير مدرك ما حوله. اضطرت النخبة لنبذ قانون الصمت – الذي فرضته على نفسها – وطالبت بانسحاب بايدن. احتجزت هذه النخبة الأمريكيين رهينة، ودافعت عن رجل عاجز عن القيادة، بزعم أن البلاد تواجه تهديداً وجودياً للديمقراطية، هو ترامب.
ألا تستحق الإهانات التي يوجهها ترامب لها؟
نقلاً عن «المصري اليوم»