Times of Egypt

مراجعات حادة وجادة وجبت الآن على «القوميين العرب» (2-2)

M.Adam
عمار علي حسن

عمار علي حسن..
تناولت في مقال سابق الظروف الموضوعية، التي تتطلب من التيار القومي العربي مراجعة حادة وجادة، لرؤيته ومواقفه.. في ضوء التطورات التي شهدتها الساحة العربية في السنوات الأخيرة، وأتصور أن هناك حزمة من المبادئ العامة، يجب أن يقوم عليها هذا التيار..«القوميون الجدد»، يمكن ذكرها على النحو التالي:
1 -منظومة قيم لا أيديولوجيا: فقد جرَّب العرب الأيديولوجيات الجامدة غير مكتملة الملامح، والتي علّمت من اعتنقوها كيف يبررون أوضاعاً خاطئة، ويمارسون وعياً زائفاً ضد الجماهير الغفيرة، ويفتقدون مهارة النقد البنّاء، ويفشلون في ترتيب الأولويات. وأدى هذا الوضع – في كل الأحوال – إلى إضعاف قيمة الحرية، إن لم يكن الإتيان عليها تماماً. وانتهى هذا التأدلج إلى إخفاق تلو الآخر؛ فتطبيق «المساواة الحسابية» في الاقتصاد، قاد – بعد بضعة عقود – إلى أغلبية كاسحة.. ما بين فقيرة وتحت خط الفقر، وأقلية من القطط السمان. وانتهت رأسمالية الدولة أو التخطيط المركزي للاقتصاد إلى «دولة خاسرة»،باعت أغلب ما تملكه بثمن بخس، ولم يبقَ من وهج الأيديولوجيا سوى الميراث الاستبدادي. أما المزاوجة بين الحرية والمساواة والعدالة والتسامح، والحصول على الوسيط القيمي بينها.. ليشكل إطاراً عاماً للحركة السياسية والاجتماعية العربية، فمن المؤكد أنها ستقود إلى نتائج أفضل بكثير من الأيديولوجيات الجامدة البائسة.
2 -المؤسسة وليس الفرد: فالعرب عوَّلوا طويلاً على الشخصيات «الملهمة»، ولا تزال تعشش في أذهان الكثيرين منهم.. أحلام انتظار الفارس المقدام، الذي يُخرجهم من النفق المظلم الذي يمرون به بطيئاً. وقد آن الأوان للجميع أن يؤمنوا بالمؤسسة، ويحصّلوا ثقافتها، التي تتطلب توافر القوانين واللوائح الضابطة، والمعايير والحدود الجلية، وتطبيق مبادئ الرقابة والمحاسبة، التي تمنع الديكتاتوريات والأوليجاركيات.. التي عرفتها الدول العربية خلال مرحلة ما بعد الاستقلال.
3 -الناس قبل السلطان: فتطبيق أفكار «القومية العربية»..قام على أكتاف من بيدهم السلطة، وحتى إن جاء بعضهم إلى سدة الحكم.. من دون أفكار مسبقة، فإنهم لم يلبثوا أن تبنوا التصور القومي، بحثاً عن شرعية، ومن ثّم لم يخلصوا للعمل القومي كما ينبغي، إنما اتخذوه – في أغلب الأحيان – مطية لترسيخ سلطانهم.
أمّا لو امتلكت الشعوب ناصية قرارها.. فاختارت من يحكمها، وصوتت على الإطار السياسي.. الذي يشكل مرجعية مرنة للسلوكيات والقرارات اليومية، وأبرمت «عقداً اجتماعياً» مع السلطة.. لتسيير الأمور على ما يرام، فإن هذا يعزز من فرص إقامة علاقات عربية-عربية على أساس متين، لا يتأثر بأهواء بعض الحكام، ولا يتضرر من الأمور الطارئة والعارضة.. التي طالما عكرت ما بين دولة عربية وأخرى، في مشهد مللنا تكراره.
وحتى نصل إلى تمكين الشعوب العربية.. من قرار ينتصر للعمل القومي، فإن الجماعة الوطنية في كل قطر عربي على حدة.. مطالبة بالنضال من أجل الديمقراطية.
4 -قومية لا تخاصم القطرية والأممية: فالعروبيون عاشوا عقوداً، ينظرون إلى القطرية والأممية الإسلامية.. على أنهما خصيمان للقومية العربية، وتجاهلا – في غمرة الشعور الزائف بالانتصار الحتمي – أن المتحمسين لرفعة أقطارهم.. لا يعادون – بالضرورة – العمل العربي المشترك، وأن الحالمين بأمة إسلامية واحدة.. لا يقفون جميعاً في جبهة معارضة للعمل القومي، بل إن منهم من رأي في العروبة قلباً للأمة الإسلامية، أو مقدمة لها، أو أنهما لا يتعارضان أبداً. وهناك من الإنتاج النظري والسلوك العملي ما يبرهن على ذلك. وقد آن الأوان لفض هذا الاشتباك، الذي هو في أغلبه.. صنيعة التسرع واللاعقلانية، والصراع حول مصالح ضيقة، من دون وعي ولا تدبر.
وعلى هذه الأركان الأربعة – التي تنتظر الإضافة والتعديل والتطوير – من الضروري أن يُجري حوار بنّاء بين النخب السياسية والفكرية العربية.. المتبنية للتوجه القومي، والمتعاطفة معه.. من أجل بلورة «ورقة عمل» يتم إخطار الجماهير الغفيرة بها، لإيجاد حالة من التعبئة القوية.. حول برنامج تأخذ قوة سياسية في كل دولة عربية على حدة – على عاتقها – تطبيقه في الواقع، في سبيل إنقاذ الوطن العربي من الوقوع مرة ثانية.. في فخ الاستراتيجيات الرامية إلى جعل «العروبة» مجرد مسألة تاريخية.
وورقة العمل هذه، يمكن أن يتم تداولها في نقاش أعمق، تقوم به جهات عربية عدة، في مقدمتها الأحزاب العربية ذات التوجه القومي، والجمعيات والهيئات العربية غير الرسمية، وقطاعات المثقفين «العروبيين».. الذين يهمهم إنقاذ العرب مما هم فيه، والذين بذلوا جهداً فكرياً وحركياً ملموساً.. في سبيل بلوغ هذه الغاية النبيلة.
ويمكن أيضاً لجامعة الدول العربية – بوصفها بيت العرب الأكبر، رغم ما تمر به من ظروف صعبة – أن تشرع في هذا النقاش.. عبر مؤسستها التعليمية؛ المتمثلة في معهد البحوث والدراسات العربية، أو من خلال مؤسستها الثقافية.. وهي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بحيث تنظم مؤتمراً موسعاً.. يحضره مسؤولون عرب من صانعي القرار، أو مستشاري القادة السياسيين والمقربين منهم، وكذلك ممثلون عن الأحزاب المعارضة، وقوى المجتمع المدني، ومثقفون عرب.. من قادة الرأي والفكر، الذين يتمتعون بسمعة طيبة، ولهم قدرة على إقناع الرأي العام بالرؤية المشار إليها سلفاً.
وأياً كانت الجهة العربية.. التي تتبنى هذا المؤتمر، فإن عقده بات ضرورة، لا يمكن التشكيك فيها.. إلا ممن يريدون للعرب دخولاً نهائياً إلى نفق التاريخ.
وإذا كان البعض يتصور أن وقت المؤتمرات قد ولَّى، وأن المشكلات العربية لن تحلها الكلمات، فيجب ألا ينسى هؤلاء.. أن كل الخطط التي يرسمها أعداء العرب – أو الطامعون فيهم – تبدأ بكلمات. لكن الفارق الجوهري بيننا وبينهم.. أننا – في أغلب الأحوال – نكتفي بالكلام، أما هم فيحولون الحروف إلى آليات.. قابلة للتطبيق في الواقع، ثم يشرعون على الفور – أو حين تسنح أفضل الفرص – في تنفيذها.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة