نبيل فهمي
شهد شهر أغسطس للعام 2025، سلسلة من التصريحات والسياسات العامة التي تُعتبر بمثابة أدلة دامغة.. على أن إسرائيل لا تريد السلام مع الفلسطينيين، بل تسعى جاهدة وراء طموحاتها الاستعمارية، وهدفها للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط.. عبر الاستيلاء على المزيد من الأراضي، وتقسيم الدول القومية المحيطة بها، خاصة بلاد الشام، على أساس طائفي.
بالطبع، سيكون لهذه الأهداف عواقب إقليمية وعالمية وخيمة.. إذا ما تُركت دون معالجة من المجتمعين الدولي والعربي. فقد تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، ولم يُعر اهتماماً للمناشدات العالمية، المطالبة بتقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين، والداعمة لوقف إطلاق النار.. بهدف الوصول لحل الدولتين. بل على العكس، فقد شرع نتنياهو بكل وضوح، في تنفيذ خطة لاحتلال غزة بالكامل.. بذريعة محاربة حماس، وانتقد الدول المجاورة لعدم سماحها للفلسطينيين الفارين من القصف الإسرائيلي بدخول أراضيها.
علاوة على ذلك، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي – علناً على التلفزيون الرسمي للدولة – تبنيه طموحات جيلية.. ذات دوافع دينية من أجل «إسرائيل الكبرى» – وهو مصطلح يُستخدم غالباً للإشارة إلى فلسطين، وأراضٍ أخرى في الأردن وسوريا ومصر وغيرها. صرَّح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، علناً، بأن إنشاء دولة فلسطينية.. سيكون بمثابة انتحار لإسرائيل، محاولاً مرة أخرى.. استخدام حجة «التهديد الأمني» الزائفة لتبرير سياساته. وانتقد بغطرسة.. الدول التي اعترفت مؤخراً بفلسطين، أو أعلنت عن نيتها القيام بذلك.
ويلاحظ أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، قد تكثف مؤخراً؛ حيث توسع المستوطنون العدوانيون.. في إنشاء مشاريع الإسكان. وأعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.. موافقة الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ مشروع إي وان (E1) الاستيطاني سيئ السمعة، الذي كان قد تم تجميده سابقًا. وبحسب قوله، فإن هذه الخطوة «ستدفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائيا».. من خلال ربط القدس بمستوطنة معاليه أدوميم؛ مما سيؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى نصفين بشكل دائم، وسيجعل إقامة عاصمة فلسطينية مستقبلية بالقدس الشرقية.. شبه مستحيل.
ولا تزال حالات الاستشهاد الفلسطينية العشوائية في غزة.. تتجاوز المائة حالة يوميا؛ بما في ذلك عمليات القتل المتعمد للصحفيين المحليين. وقد تجاوز عدد القتلى 60 ألف قتيل، بينما وصل عدد الضحايا إلى اكثر من 150 ألفًا. وتظل المساعدات الإنسانية المقدمة لغزة رمزية ومتقطعة؛ و«كأنها دلو في محيط».. كما يصفها أحد عمال الإغاثة الدوليين.
وتدلل تصرفات إسرائيل – بشكل صارخ – على السعي لإخضاع الفلسطينيين أو تهجيرهم. وقد عارضت الدول العربية والإسلامية هذا الموقف بشدة، ولكن ينبغي عليهم وعلى بقية دول العالم.. الإصرار على الحصول على نفي إسرائيلي رسمي ومُقنن.. لهذه الطموحات. ويجب عليهم أيضاً أن يواجهوا سياسياً التوغلات الإسرائيلية المتكررة.. في الدول المجاورة مهما كانت الذرائع.
من المثير للقلق، أن إسرائيل تواصل المضي في مسارها.. الخاص بالانتهاك الواضح لحقوق الإنسان، من خلال احتلالها المستمر للأراضي، وارتكابها للإبادة الجماعية، والتهجير القسري، والتطهير العرقي، واستهدافها المباشر للمدنيين والخدمات الصحية. ورداً على ذلك، تزايدت الانتقادات العربية للسياسات التوسعية الإسرائيلية، بما في ذلك من الدول التي وقَّعت اتفاقيات سلام رسمية مع إسرائيل، وتلك المشاركة في الاتفاقيات الإبراهيمية، ومن كبار صانعي السلام العرب. كما ولَّدت المواقف الإسرائيلية السابق ذكرها.. اعتقاداً متزايداً لدى المجتمعات العربية – في جميع أنحاء المنطقة – بأن إسرائيل لا تريد السلام، وأن سياساتها تشكل تهديداً ملموساً.. لأمن جميع الدول بالمنطقة.
لقد اتسع نطاق العقوبات الدولية ضد التجاوزات الإسرائيلية؛ إذ إن هذه التجاوزات.. من شأنها أن تضعف آفاق السلام المحدودة، وتثير المخاوف الأمنية الإقليمية، وتقوِّض ما تبقَّى من مصداقية للنظام العالمي الغير كامل. ومع ذلك، فإن العقوبات وحدها لا تكفي. فالتدابير اللاحقة من جانب العالم العربي والمجتمع الدولي.. ضرورية على حد سواء. يجب على المؤسسة السياسية الإسرائيلية أن تدرك التكاليف السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.. الناتجة عن الحرب التي تشنها، وعن اختيارها.. أن تصبح دولة منبوذة تتصرف خارج نطاق الأعراف الدولية.
ولكي يحدث هذا، فيجب على الدول رفض أو تحدي المغالطة الإسرائيلية.. القائلة بأن انتقاد سياسات إسرائيل، يعادل معاداة السامية. ويجب على إسرائيل أن تدرك أنها لا تستطيع تحقيق أمن مستدام.. على حساب الدول العربية، وأن الشرط الأساسي لتحقيق الأمن والعلاقات الطبيعية في السلام، هو إقامة دولة فلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن كل اتفاقية سلام عربية-إسرائيلية، كانت بمبادرة من دولة عربية. فعلى سبيل المثال، مبادرة السلام في قمة بيروت العربية – التي تم طرحها منذ أكثر من عقدين، ولا تزال قائمة – كانت قد تبنت علنا.. إقامة علاقات إقليمية طبيعية، مقابل إنهاء الاحتلال.
ومن الأهمية بمكان، أن يحاسب المجتمع الدولي إسرائيل.. على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني؛ فالدول التي تُطبق معايير مزدوجة، أو تستأصل بعضا منها – بسبب المصالح السياسية – تُعتبر متواطئة في تدمير المعايير الدولية، التي أمضى المجتمع الدولي أجيالاً وأجيالاً.. في تطويرها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يجب على العالم أن يدرك أن اللامبالاة، أو التقاعس عن مواجهة التجاوزات الإسرائيلية المستمرة ستكون له تداعيات متعددة وخطيرة، سواء في الشرق الأوسط أو خارجه، حيث ستفقد المجتمعات الإقليمية الأمل في حل النزاعات سلمياً، وكذلك ستفقد المعايير والمؤسسات الدولية مصداقيتها فاعليتها. وهكذا، فإما أن تُجبَر إسرائيل على احترام القانون الدولي، والمساواة في الحقوق للفلسطينيين، وإلا فإن احتمالات السلام بالشرق الأوسط – وأكثر منها بكثير- سيتعرَّض للخطر والتدمير.
نقلاً عن «مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»