Times of Egypt

مخاطر الخلط بين أبحاث علوم الفضاء وفقه أحكام الفضاء

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار 

نشرت رئاسة مجلس الوزراء – على صفحتها الرسمية – بياناً مع صور للمشاركين، حيث استضافت وكالة الفضاء المصرية وزير الأوقاف ونخبة من علماء الأزهر الشريف – من مركز الأزهر العالمي للفلك – في الملتقى العلمي حول النوازل الفقهية المستجدة لأحكام الفضاء. وقد تم عرض تقديمي لمشروع النوازل الفقهية المستجدة.. المرتبطة بالفضاء الخارجي. ثم ألقى د. محمد الجندي – أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، ونائب رئيس مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلماء الفضاء – محاضرة.. أكد فيها أهمية الفهم الدقيق للواقع الفضائي.. من منظور شرعي. وقد أكد الدكتور شريف صدقي – رئيس وكالة الفضاء المصرية – أهمية التكامل بين العلوم الشرعية والعلوم الفضائية.. لمعالجة النوازل الفقهية المستجدة، المرتبطة بالفضاء الخارجي، بما يعكس روح التعاون العلمي بين المؤسسات الوطنية والدينية.

 البحث العلمي في علوم الفضاء موضوع حيوي لمستقبل مصر. وأنا أكن كل الاحترام للأزهر الشريف وكذلك د. شريف صدقي. وقد استغرب الكثيرون من محاولة الخلط بين العلوم الطبيعية للفضاء وبين النوازل الفقهية المستجدة لأحكام الفضاء. 

… الفضاء علم متقدم وشديد التعقيد، وله ارتباط وثيق بعلوم الطبيعة والكيمياء والجيولوجيا، وجميع فروع علم الطيران، وكذلك العلوم المرتبطة بصناعة أنواع متقدمة من الصواريخ وأجهزة الكمبيوتر شديدة التعقيد. وفي السنوات الأخيرة دخل علم الذكاء الاصطناعي بقوة في هذا المجال للإسراع في تطويره.

 وعلم الفلك من أقدم العلوم الطبيعية. وكان للعلماء العرب والعجم دور مهم في تطوير علم الفلك، وتحديد محيط الأرض، وأن الأرض كروية وتدور حول الشمس.. في وقت كان علماء الأديان المختلفة يؤكدون أن الأرض مسطحة. وفي القرن السابع عشر قام جاليليو باختراع أول تليسكوب لرؤية الأجرام السماوية، وتطورت التليسكوبات، ثم بدأ إرسال التليسكوبات إلى الفضاء ومشاهدة الكون لقياس الأشعة فوق البنفسجية في عام 1964.

 وفي القرن العشرين، أُطلق أول قمر صناعي يدور حول الأرض. وفي عام 1959 أطلق السوفييت قمراً صناعياً هبط على السطح الخلفي للقمر، وبعدها وصلت الأقمار الصناعية لمختلف الأجرام السماوية. ويتم قياس الأشعة الكونية والأشعة الكهرومغناطيسية. وكان أول إنسان يسافر في رحلة إلى الفضاء الخارجي هو يوري جاجارين الروسي، وذلك في عام 1961، وبدأ بعدها البرنامج الأمريكي الضخم، وأنشئت وكالة ناسا وبرنامج أبولو.. الذي استطاع أن يسافر عن طريقه رجل يصل إلى سطح القمر، ويسير عليه، ويأخذ عينات من الصخور، وكان هو رجل الفضاء نيل أرمسترونج في 20 يوليو 1969، وعاد إلى الأرض بسلام. وحتى الآن الطريقة الوحيدة لإرسال مركبة للفضاء.. هي الصواريخ، لأن الطائرات النفاثة تتحطم قبل الوصول إلى الغلاف الخارجي.

 توفر رحلات الفضاء فوائد عديدة للبشرية، تشمل التقدم العلمي والتكنولوجي، وتحسن فهمنا للكون، وتطوير تقنيات جديدة.. يمكن تطبيقها على الأرض، لتحسين نوع الحياة، وحماية كوكب الأرض. التقطت صور لسطح القمر والمريخ، وجمعت عيِّنات من الصخور، وقد ساهم مرصد هابل الفضائي – الذي يدور هو نفسه في الفضاء – برصد ملايين الصور عن المجرات المختلفة.

 استطاعت وكالة ناسا الأمريكية.. إنقاذ 444 ألف شخص، نتيجة الإنذار المبكر عن الكوارث الطبيعية، وتم توفير مليارات الدولارات لشركات مختلفة.. باستخدام نتائج أبحاث ناسا، ساعدت في أبحاث في مجالات الطب والدواء والصحة والبيئة. وكانت سبباً هاماً في تقدم مذهل في تكنولوجيا المعلومات، وكذلك أدت إلى فكرة استخدام الألواح الشمسية المتقدمة.. للتسخين والطاقة النظيفة وطرق حديثة لتنقية المياه.

 وفي مجال الاتصالات أصبحت الأقمار الصناعية توفر الاتصال التليفوني المباشر عبر الكرة الأرضية، والإنترنت.. الذي أصبح لا غنى لإنسان عنه، أصبح متاحاً بواسطة الأقمار الصناعية، والقنوات التليفزيونية التي تنقل كل شيء عبر الكرة الأرضية.. أصبح متاحاً بسبب علم الفضاء.

 وبالطبع، هناك مخاطر من استخدام هذا التقدم في الحروب والإرهاب، وهذا أمر يجب أن يؤخذ بجدية.. لأننا رأينا الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط – بين أمريكا وإيران وإسرائيل – تدار بواسطة الصواريخ الموجهة، وكلها تستعين بتكنولوجيا الفضاء، ورأينا الطائرات التي تقذف القنابل والصواريخ وهي موجهة بدون طيار.

 التقدم العلمي العظيم في علوم الفضاء شيء مذهل ومهم، إلا أن التقدم الحقيقي بدأ في القرن السابع عشر.. مع الثورة الصناعية في أوروبا، حين تم فصل الكنيسة عن الدولة ونظام الحكم، وتفرغ الكهنة للعمل الديني فقط.

 في العصر الحديث، ما زالت مصر في أولى خطوات مجال الفضاء، وأمر جيد.. أن أُنشئ المركز المصري للفضاء، وواضح أن تقدم هذا المركز سيكون فقط بالبحث العلمي التكنولوجي، حتى يتكون فريق.. يستطيع أن يطلق وحده قمراً صناعياً مصرياً، وهذا أمر سوف يأخذ جهداً ووقتاً وأموالاً، وتركيزاً شديداً في العمل. ولا أظن أننا وحدنا قادرون على ذلك في المستقبل القريب، ونحتاج إلى التركيز في البحث العلمي وتطويره بكل قوة.

 المركز الإسلامي للفلك.. له وظيفة مختلفة تماماً، وواضحة في مسمى المركز ووظيفته، أنه مختص بالعلوم الشرعية لمعالجة النوازل الفقهية المستجدة المرتبطة بالفضاء الخارجي. وظيفته واضحة.. وهي الرأي الشرعي في الاختراعات أو المستجدات الحديثة في علوم الفضاء. المركزان لا علاقة بين عملهما وكل له تخصصه، وهما منفصلان تماماً.

 خطورة البيان الذي أصدره مجلس الوزراء، وبه صورة تجمع وزير الأوقاف والسادة مشايخ الأزهر مع رئيس مركز الفضاء؛ وهو مؤسسة علمية بحتة.. يعطي الإيحاء بأن البحث العلمي يتم بموافقة الهيئات الدينية. ويجب أن يكون هناك تفاهم وتناغم بينهما، بينما المركزان لا علاقة لهما ببعض.

 بالطبع يمكن لمركز الفضاء الشرعي.. أن يستفيد من البحوث الفضائية في تحديد مواعيد الصيام أو الصلاة، أو بداية الشهور العربية.. والتي حددتها بحوث الفضاء لمئات السنوات القادمة، أو في أشياء مماثلة.

 العلم له قواعده، ونظامه، وناسه، وأصول يسير عليها. ولهيئة الأزهر أن تضع ما تراه من قواعد شرعية، قد تحتاجها.. بسبب الأبحاث العلمية الحديثة، وليس لعلماء الفضاء.. أن يتدخلوا في اللجنة الشرعية، وليس لعلماء الشريعة.. أن يتدخلوا في أبحاث الفضاء.

قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة