Times of Egypt

محمد بن زايد.. رجل المواقف

M.Adam

أحمد الجمال

بقدر ما كان الصدر يضيق.. كلما تردد كلام عن تعكير لصفو العلاقات المصرية-الإماراتية؛ فإن الانشراح يبقى مضاعفاً وعميقاً، كلما أفصحت الأيام والمشاهد الحية عن أن ذلك التعكير المُدَّعى.. هو محض وهم مريض، من الحاقدين المتربصين بمصر وبالإمارات.

لذلك يأتي موقف رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.. الشيخ محمد بن زايد، تجاه ما تلفظ به نتنياهو الإرهابي النازي المنحط عن مصر، وإعلان سمو رئيس دولة الإمارات.. وقوف بلاده بجانب مصر، ودعم مواقفها وسياساتها ضد التهجير القسري – أو «الطوعي»! – لسكان غزة؛ موقفاً حاسماً شديد الأهمية في توقيته ومضامينه.

ثم جاء موقف الشيخ محمد بن زايد – الرافض تماماً لما أعلنه نتانياهو حول إسرائيل الكبرى، التي لأجلها سيتم قضم أجزاء من مصر والأردن وسوريا والسعودية، إضافةً لكل فلسطين – ليؤكد به رئيس الإمارات أن هناك خطوطاً حمراء، ليس وارداً السماح بالاقتراب منها أو تجاوزها، والمهم أيضاً.. أن الموقف الإماراتي أوضح أن أي ضم للضفة الغربية، سينهي مشروع السلام الإبراهيمي، الذي ترعاه الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب.

لقد حاولت الإمارات – ومن قبلها مصر ودول عربية – الاتجاه نحو السلام مع الدولة الصهيونية.. انطلاقاً من رؤية تقول إن تلك الدولة الصهيونية القائمة على الاستيطان الاستعماري والعنف الدموي، بقيت معتمدةً على العمل لاستمرار الاستفادة من الضغوط المهددة لوجودها – حسبما تزعم – أي أنها مثل السيارة التي لا تعمل إلا بالضغط على «دواسة أو بدال» الوقود، وإذا خف الضغط أو توقف.. فإن السيارة لن تتحرك، ولن تكون – بالتالي – موجودة ولها وظيفة ومهمة وهدف.

كانت فلسفة السلام مع الدولة الصهيونية تهدف إلى وضعها في محك عملي واضح، يقول لسان حاله: ها هي.. الضغوط والتهديدات قد خفت أو زالت، وتحولت إلى تطبيع وتفاهم وقبول بالوجود كدولة، وباستقبال من يحملون جنسيتها.. وفق الضوابط السارية بين الدول، وسواء قلنا إنه للأسف.. فإن الدولة الصهيونية لم تستجب الاستجابة المتوقعة، ولم تكن على قدر المسؤولية، وعملت على تعميق الكراهية والعنف ومضاعفتهما أضعافاً مضاعفةً. يقولها أنصار إنهاء هذا الصراع للتفرغ للبناء والتنمية. أو قلنا شكراً للدولة الصهيونية وللإرهابيين النازيين.. الذين يقودونها، أن أثبتوا ما كنا دوماً نؤكده.. من أن الصراع صراع وجود، وأن طبيعة الحركة الصهيونية وفكرها وممارساتها – سواء قبل قيام دولتها أو بعدها وعبر مراحل طويلة – لا تسمح بأن تتغير طبيعتها الاستعمارية الاستيطانية الاستئصالية.. لدرجة الإبادة الجماعية، وأنها – في كل مرحلة – ستبحث عن خلق أو تخليق الضغوط.. حتى تظل تؤدي وظيفتها، وفق طبيعتها أو جيناتها!

سواء قلنا ذلك أم ذاك، فإن المحصلة هي أن نعمل في مصر وفي الإمارات والسعودية والأردن – بشكل أساسي – على الاستمرار في بناء حوائط الصد العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية.. ونقيم مجتمعات متماسكة متينة، وأن نمد جسور التعاون بيننا، لنصل بها إلى ما وصلت إليه نماذج في أوروبا وآسيا. ولنحقق الحلم الذي يراود عقولنا.. بتنسيق وتعاون على أعلى المستويات وأوسعها وأعمقها، وبصيغ سياسة اقتصادية استراتيجية يصل إليها صناع ومتخذو القرار.

نعم.. إن في الإمارات جينات إنسانيةً.. بذرها المؤسس الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي قاد أبرز تجربة وحدوية ناجحة ومستمرة شهدتها الأمة العربية في عصرها الحديث.. واختار لها اسماً فيه «العربية المتحدة»، الذي ينعش روح أمثالي.. من الذين عاصروا الجمهورية العربية المتحدة، ووضع أسس بناء الإنسان أولاً، وأطلق عبارته الأشهر «إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي».. وقدم الكثير لمصر دون من ولا أذي.

وهنا أتذكر واقعةً لابد أن أذكرها، وهي أنني كتبت مقالاً ذات مرة، سردت فيه وعددت ما قدمته الإمارات، وضمنه ما قدمته الشارقة وحاكمها لمصر، وإذا بي أتلقى عتاباً قوياً على ما كتبته.. من ضمنه قصة تقول إن عزيز قوم وقائدهم أسره الأعداء وأوثقوه، وطلبوا من الكل أن يرجموه. وجاء محبوه وأهله ومعهم الورد، وأخذوا يقذفونه بها وهم يبكون. ولكن الرجم هو الرجم، سواء بالحجارة أو بالورد والزهور. 

ومصر الغالية لا ترجم ولا يمن عليها! وهذا هو موقف الإمارات التي نتمنى، وندعو لها شعباً وقيادةً بالمزيد من التقدم والعزة.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة