Times of Egypt

محاولة لقراءة خطة ترامب

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

أخيراً، أعلن الرئيس الأمريكي – يوم الاثنين الماضي، في المؤتمر الصحفي منزوع الأسئلة.. مع رئيس الوزراء الإسرائيلي – خطة إنهاء حرب غزة.. بغضِّ النظر عن واضعيها، في إشارة واضحة لبقاء الزمام بيد نتنياهو؛ إذ نذكر أن آخر جهود التسوية.. كان قد توقف بعد انقلابه على نجاح مصر وقطر في الحصول على موافقة «حماس»، على مقترح بُنِي في الأساس على أفكار ويتكوف (مبعوث ترامب)، وعدم الرد، ثم تغيير نهجه أصلاً.. إلى المطالبة باتفاق شامل؛ يضمن الإفراج عن جميع الرهائن دفعة واحدة، وهو ما تُرْجِم لاحقاً في خطة ترامب.. التي قيل أنها عُرِضت على القادة العرب والمسلمين (الذين اجتمعوا به في 23 سبتمبر الماضي)، وأدخلوا عليها تعديلات.

وقيل أيضاً إنه عرضها على نتنياهو، فأدخل عليها تعديلات أخرى. 

وعموماً، فلا شك في أن الخطة تنطوي على عناصر.. تتماشى والمطالب الفلسطينية والعربية، وأخرى تتطابق ووجهة النظر الإسرائيلية. وإن كان لافتاً إعلان ترامب خطته هذه.. بحضور نتنياهو – في مشهد ذي دلالة على وحدة العمل – فأما العناصر الإيجابية من وجهة النظر الفلسطينية والعربية، فهي – بترتيب ورودها في الخطة – إعادة إعمار غزة.. لصالح سكانها، وانتهاء الحرب فوراً، والإدخال الفوري للمساعدات الإنسانية إليها.. بما يتسق – على الأقل – مع المنصوص عليه في اتفاق 19 يناير 2025؛ بما في ذلك إعادة تأهيل البنى التحتية والمستشفيات والمخابز، ووصول المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق. وأن هذه المساعدات سيتم دخولها وتوزيعها – عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر ومؤسسات دولية أخرى – وعدم احتلال إسرائيل لغزة، أو ضمها إليها، أو إجبار سكانها على مغادرتها، وانسحاب الجيش الإسرائيلي منها، وإمكانية فتح مسار ذي مصداقية.. نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.

أما العناصر التي ترضي إسرائيل؛ فهي تسليم جميع الرهائن – الأحياء والأموات – في غضون 72 ساعة.. من قبول إسرائيل الاتفاق، (وبالمقابل تفرج إسرائيل عن 250 سجيناً محكوماً عليهم بالسجن المؤبد، و1700 من سكان غزة.. المعتقلين بعد 7 أكتوبر)، والتزام حماس و«الفصائل الأخرى».. بعدم أداء أي دور في حوكمة غزة، وتدمير البنى التحتية العسكرية؛ بما فيها الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ونزع السلاح من غزة.. تحت إشراف مراقبين مستقلين. وسمحت هذه العناصر لنتنياهو – في كلمته بعد إعلان ترامب للخطة – أن يتحدث عن أنها.. تحقق أهداف إسرائيل.

وبإمعان النظر في عناصر الخطة – بحلوها ومرها – تَظْهَر مجموعة من المحاذير؛ لعل أهمها يتعلق بالتسلسل الزمني.. للتنفيذ؛ الذي من الواضح أنه مصَمَّم لإرضاء إسرائيل؛ فالبدء بالإفراج عن كل الرهائن الإسرائيليين.. أحياءً وأمواتاً، وبعدها تفرج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين، وجثامين الموتى منهم، وانسحاب الجيش الإسرائيلي.. سيتم وفقاً لمعايير ومراحل وجداول زمنية، مرتبطة بنزع السلاح.. يتم الاتفاق عليها لاحقاً. 

أي أن إسرائيل تحصد مكاسبها من الاتفاق أولاً، ثم تفي بما عليها. وقد أصبحت لدينا خبرة أكيدة.. بخصوص انتهاك إسرائيل لالتزاماتها التعاقدية؛ فقد انتهكت – منذ 7 أكتوبر – اتفاقيتي هدنة مع المقاومة (نوفمبر 2023، ويناير 2025).. الأولى بعد أسبوع، والثانية بعد نحو شهرين. وانتهكت ومازالت تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان.. الموقع في نوفمبر 2024. وألغت أصلاً اتفاق فض الاشتباك مع سوريا عام 1974.. بمجرد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.

ولذلك، فليست هناك أدنى مبالغة.. في الاعتقاد بأن إسرائيل يمكن أن تتنصل من التزامها بإتمام الانسحاب، بحجج واهية؛ كما فعلت في خرقها هدنتي نوفمبر 2023، ويناير 2025. وكما تفعل الآن في لبنان، ناهيك بأن الانسحاب – حتى إذا اكتمل – يستثنى وفقاً للخطة.. وجود الجيش «في محيط أمني.. إلي أن يتم تأمين غزة كما ينبغي، من مخاطر أي تهديد إرهابي متجدد»؛ وهو نص يسمح لإسرائيل بالبقاء للأبد في هذا المحيط الأمني.. الذي لا توضح الخطة مكانه ولا عمقه، وقد يُقال.. وأين الضامنون حال انتهاك إسرائيل التزاماتها؟ أو التنطع في تنفيذها؟ 

والإجابة الفورية، أن الضامن الأكبر.. يلتمس العذر دائماً لإسرائيل، ويراها على صواب، ويطلق يدها في التصرف. وقد حرص ترامب – في طرح خطته – على أن يؤكد لـ«بيبي» إطلاق يده في غزة.. إن لم توافق «حماس» على خطته.

وتبقى معضلة «اليوم التالي» في غزة.. وفقاً لخطة ترامب، وقبلها كانت أهم الرؤى المطروحة، هما الرؤيتان: الإسرائيلية.. المتمثلة في السيطرة الأمنية الكاملة عليها. والرؤية المصرية.. القائمة على لجنة إسناد مجتمعي غير فصائلية، كانت تحظى بشبه إجماع فلسطيني وعربي، فأخذت خطة ترامب بهذه الفكرة. ولكنها وضعت هذه اللجنة تحت إشراف هيئة دولية.. باسم «مجلس السلام» – يرأسها ترامب بنفسه، مع أعضاء آخرين.. لم يُذْكَر منهم في الخطة سوى توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق – وثمة ملاحظات ثلاث عليها؛ أولاها: إنها تجاهلت الأمم المتحدة؛ بما يفتح الباب لاحتمالات سلبية كثيرة. والثانية: إن اسم توني بلير.. يستدعي خبرة تواطئه في غزو العراق، ويُذَكرنا بتجربة بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق.. بكل سلبياتها. والثالثة: إن رئاسة ترامب للمجلس.. تثير الشكوك في عودة فكرة ريفييرا غزة؛ خاصة أن الخطة تحدثت تحديداً عن وضع «خطة ترامب للتنمية الاقتصادية»، وعن «المدن المعجزة الحديثة المزدهرة في الشرق الأوسط». ومن الواضح أن أفكار ترامب بشأن غزة.. هُذبَت، ولكنها باقية.

ولا شك في أن خيارات المقاومة.. بشأن الخطة شديدة الصعوبة؛ بين قبولها للاستفادة بإيجابياتها.. غير المضمونة. أو رفضها، وتحمل نتائج هذا الرفض؛ وهي استمرار حرب الإبادة للبشر والحجر. 

ويقيناً، فإن المقاومة – وحدها – هي القادرة على اتخاذ القرار الرشيد؛ بمعنى أنها الأقدر على تقييم قدرتها على الاستمرار في التصدي للجرائم الصهيونية، أو أن تقرر – بسبب أوضاعها الحالية، وانقطاعها عن أي دعم خارجي – قبول المخاطرة.. لوقف إراقة الدم الفلسطيني، والتعويل على استمرار تصاعد الزخم الدولي.. المؤيد للحق الفلسطيني، جنباً إلى جنب.. مع متغيرات أخرى. 

… وهي معضلة تستحق نقاشاً مُفَصَّلاً ومعمقاً.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة