Times of Egypt

محاولة لقراءة المشهد الإقليمي

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

في مقالة الأسبوع الماضي، حاولت قراءة المشهد الراهن في فلسطين. ورغم تداعياته الأكيدة على المشهد الإقليمي، إلا أن الوضع الفلسطيني استأثر – بطبيعة الحال – بالجانب الأكبر من التحليل، واليوم أحاول التركيز على المشهد الإقليمي.. الذي لا شك في أنه تأثر جذرياً بعملية «طوفان الأقصى» وتداعياتها. ففي البدء، أفضى الرد الإسرائيلي عليها إلى ما أفضى إليه.. من قتل وتدمير، وممارسات وحشية بحق الفلسطينيين. لكن اللافت، أن كل هذا الإجرام.. لم يُخضع المقاومة حتى الآن؛ بل لقد تمكنت من إلحاق خسائر مؤلمة بعدوها، أحدثت انقساماً حقيقياً في الداخل الإسرائيلي، ليس على أهداف الحرب فحسب، وإنما على أسلوب إدارتها أيضا.

وكذلك أفضت الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، إلى تحوُّلات حقيقية في الرأي العام الدولي؛ بدأت بعض آثارها تُترجم إلى مواقف عملية.. وإن غير كافية، بحيث بدا المشهد الإقليمي – بعد نحو عام من «طوفان الأقصى» – وكأن إسرائيل تمر بمأزق استراتيجي.. بعجزها – مع كل قوة جيشها والدعم الأمريكي المطلق لها – عن حسم معركتها ضد المقاومة في غزة، وجبهات إسنادها في لبنان واليمن. بينما بدا النجم الإيراني ساطعاً.. بقدرة الفصائل التي يدعمها على الصمود بوجه إسرائيل واستنزافها. غير أنه بعد نحو عام من بدء المواجهة، وقعت – اعتباراً من سبتمبر 2024 – تطورات متلاحقة، انطوت على ضربات موجعة لحزب الله؛ شملت اغتيال زعيمه وأهم قياداته، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان.. أخرج «حزب الله» من ساحة المواجهة. وبعد أقل من أسبوعين، أُسقط نظام الأسد في سوريا، وتباهى وزير الدفاع الإسرائيلي بدور إسرائيل في ذلك، وهو ما كان يعني فقدان «حزب الله» قاعدة إمداده البرية الوحيدة. واكتملت الصورة لاحقاً.. بالعدوان الإسرائيلي-الأمريكي على إيران في يونيو الماضي، الذي لا شك في أنه كبد إيران خسائر فادحة، وإن كانت بدورها ألحقت أضراراً غير مسبوقة بإسرائيل.

وقد شجَّعت تلك التطورات نيتانياهو.. على التمادي في تأكيد مفهوم الشرق الأوسط الجديد، الخاضع للعربدة الإسرائيلية؛ وهو مفهوم ظل يردده.. منذ اليوم الأول لبدء انتقامه من عملية 7 أكتوبر، كما تشجع مؤخراً – في مقابلة تليفزيونية – على إعلان تماهيه مع مشروع «إسرائيل الكبرى».. الذي حاول في إعلانه هذا، أن يكون صوته متهدجاً.. بما يضفي الطابع الديني التاريخي على هذه الخزعبلات. ورغم أنه لم يذكر بالاسم.. أي دولة تقع في نطاق «إسرائيل الكبرى»، إلا أن الجميع يعلم – من خلال الوثائق والتصريحات، التي سبقه إليها غلاة المتطرفين الصهاينة – أن هذه الفكرة تمس السلامة الإقليمية لعدد من الدول العربية. ومع أن المشهد الإقليمي يبدو الآن مواتياً لإسرائي،ل إلا أن نجاحها في تحقيق هذه الأهداف التوسعية الكبرى.. موضع شك كبير، وأطرح في هذا الصدد 4 ملاحظات مهمة للنقاش.

الملاحظة الأولى: حول خريطة القوى الراهنة في الشرق الأوسط، والذي توجد فيه 4 قوى متنافسة و/أو متصارعة؛ هي إسرائيل وتركيا وإيران.. والنظام الإقليمي العربي. والأخير هو أضعفها – للأسف – لغياب وحدة الرؤية بين أعضائه، والقدرة على اتخاذ قرارات فاعلة.. في مواجهة التحديات؛ كما شهدنا في المواجهة الحالية، على عكس خبرة مواجهة هزيمة 1967، التي أفضت لنصر أكتوبر 1973. أما تركيا، فمازال بعض الغموض يحيط بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه.. في مواجهة المشاريع الإسرائيلية. وبالنسبة لإيران، فإن ثمة علامات استفهام حول تأثير العدوان الإسرائيلي-الأمريكي على قدراتها. ومازال التنسيق بين المثلث العربي/التركي/الإيراني.. مع ذلك، محاطاً بصعوبات وتعقيدات كثيرة. 

وهذا ينقلنا للملاحظة الثانية: يخطئ كل من يظن أن إسرائيل قد كسبت الجولة الحالية من المواجهة؛ فلم تكسب سوى معركة القتل والتدمير، لكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية شيء آخر، وقد مضى على الإعلان الرسمي للمشروع الصهيوني في فلسطين.. أكثر من قرن وربع القرن، وعلى إعلان دولة إسرائيل.. أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وعلى استكمال احتلال فلسطين.. أكثر من نصف قرن، دون أن تنجح إسرائيل في ترسيخ أقدامها في فلسطين، وهاهي عاجزة في غزة.. لقرابة سنتين، عن حسم المعركة ضد فصائل مقاومة.. لا وجه لأي مقارنة لقوتها بقوة إسرائيل.. المدعومة على نحو مطلق بالقوة الأمريكية. 

وهذا ينقلنا للملاحظة الثالثة: الخاصة بمن يتصورون أن «إسرائيل الكبرى».. فكرة قابلة للتنفيذ؛ بمعنى السيطرة الإقليمية. فليس هذا سوى الهراء بعينه. صحيح أن العرب شتى، ولكن عندما يصل الأمر إلى المساس بالسلامة الإقليمية لأي دولة عربية، فإن ثمة جيوشاً عربية – على رأسها الجيش المصري – قادرة بالتأكيد.. على الدفاع عن أمن دولها. وبالتالي، فإن الخطر الحقيقي لإسرائيل الكبرى.. ليس بالأساس خطر «السيادة»، وإنما «الهيمنة» الإقليمية؛ بمعنى وجود دول قابلة لهذه الهيمنة، وللأسف فإننا نشهد إرهاصات لمثل هذا الوضع الآن، كما أن الأمانة تقتضي الإشارة إلى أن خطر «السيادة الإقليمية».. يبقى وارداً ولو جزئياً؛ كما حدث في سوريا.. بضم الجولان، ومطالبة قطاعات – بعينها – من السكان، بالالتحاق بإسرائيل.. بسبب ممارسات همجية، مهد لها تآمر واسع على سوريا والمنطقة، وفي الملاحظة الرابعة والأخيرة: أطرح سؤال.. ما العمل؟ فالوضع خطير، والتهديدات حقيقية، والمواجهة واجبة. 

… صحيح أن المقاومة الفلسطينية مازالت صامدة، لكنها بطبيعة الحال، غير قادرة على التصدي لمثل هذا المشروع الخطير، وأول خطوة في المواجهة.. هي الاتفاق على وجود الخطر، وضرورة مواجهته. وبعد وحدة الرؤية، يبدأ حديث الوسائل؛ ومن البديهي في الواقع العربي الحالي.. أن الوسائل العسكرية لن تستخدم إلا على سبيل الدفاع، ولكن حتى هذا.. يحتاج تبصراً وتخطيطاً. وبعد ذلك، هناك مدى واسع من الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، يمكن بحُسن توظيفها. وجدية هذا التوظيف، أن يأتي بثماره. 

وأقترح أن تكون الإجابة على سؤال «ما العمل؟».. هي الموضوع الوحيد، أو على الأقل الرئيسي على جدول أعمال مجلس وزراء الخارجية العرب.. في اجتماعه في سبتمبر المقبل.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة