د. محمد عبد الشفيع عيسى
مجموعة الدول النامية الثماني.. كان يطلق عليها – حين الإعلان عن نشأتها رسمياً عام 1997، بدعوة من نجم الدين أربكان.. رئيس الوزراء التركي الأسبق – «مجموعة الدول الثماني الإسلامية»، ومقر أمانتها إسطنبول. وقد عقدت اجتماعها العام الماضي في القاهرة بتاريخ 25-12-2024، فكان ذلك بمثابة شارة وبشارة – من بين شارات وبشارات عدة – بعالم ربما جديد. وتتكون المجموعة.. من مصر، وتركيا، وإيران، وباكستان، وبنجلاديش، وإندونيسيا وماليزيا ونيجيريا. ولكن هل هو عالم جديد حقاً؟ هذا ما نحاول البحث فيه. ولنبدأ من حيث تكون البداية، حول منظومة الاقتصاد العالمي المعاصرة.
في منتصف الثمانينيات تقريباً (1986) من القرن العشرين المنصرم، نضجت مفاوضات تيسير وتحرير تدفقات التجارة العالمية.. فيما سُمي (جولة مفاوضات أوروجواي)، وقد انتهت تلك الجولة بحدث جلل.. على مستوى تطور النظام العالمي؛ وهو توقيع اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية، واتفاقاتها المكملة.. في مدينة مراكش في مايو 1994.
حينذاك، بزغ عصر جديد – أو هكذا بدا الأمر – هو ما سُمي بعصر (العولمة) Globalization.
كان من أبرز ثمرات العولمة – في إطار اتفاقية مراكش – اتفاق تحرير التجارة، تحديثاً لما انتهى إليه الاتفاق القديم لتحرير التجارة.. المعروف بـ(الجات) لعام 1948. وكذلك اتفاق (الجوانب التجارية للاستثمار) TRIMS و(اتفاق الجوانب التجارية للملكية الفكرية – تريبس) TRIPS ، وهي ربما أشهر الاتفاقات جميعاً. ومن ثم، نضجت – وتفرعت وتعاظمت – نتائج اتفاق التجارة العالمية الجديد، ممثلاً في اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية WTO، وجرى استكمال المفاوضات على مستوى جولات وزارية متتابعة، كان أهمها «اتفاق الدوحة» عام 2001.
ومن عجب، أن تكون اتفاقية مراكش.. نقطة الانطلاق لنظام العولمة، بمثل ما أن «جولة الدوحة».. مثلت «نقطة الانكسار»، إن صح التعبير. فلم يُستكمل العمل بمقتضى أجندة الدوحة للتنمية، وظلت الأضواء تذوي، حتى صارت العولمة.. وكأنها «شبح ضئيل».
ولربما كان تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة والنفوذ على المستوى العالمي The Single Superpower، بعد توقيع اتفاق مراكش واتفاقاتها المكملة بقليل، هو المنطلق العالمي (غير عولمي) إن صح التعبير أيضاً.
حينئذ، أخذت أشباح العولمة في التواري، لتحل محلها أشباح (اللاعولمة). وقد حل محل العولمة.. ظل ظليل كبير، قائم على (الأقلمة) Regionalization، وتفرعت عن الأقلمة شعبتان؛ أولاهما: ما يمكن تسميتها (الأقلمة الشاملة)، وتمثلت في التوسع الاقتصادي على نطاق جغرافي محدد وربما محدود، وثانيهما: شعبة الإقليمية الفرعية. كان من أبرز ملامح التكتلات الإقليمية، نشوء اتفاق التجارة الحرة الأفريقية الثلاثية لعام 2014، وذلك انطلاقاً من عدة تكتلات إقليمية فرعية.. في شرق أفريقياـ ووسطها والجنوب، واتحاد غرب أفريقيا.
ومن التنظيمات الفرعية: ميركسور في أمريكا اللاتينية، و«آسيان» ASEAN في جنوب شرق آسيا، فضلاً عن تجربة (منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى).. بكل ما لها وعليها، مما لا يكون موضوعاً للبحث هنا. ولا ننسى (نافتا) أي منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. غير أنه من أحدث وأقوى التجمعات الاقتصادية العابرة للأقاليم وأبرزها، اتفاق تجمع «البريكس» المكون أصلاً من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، الذي انضمت له مصر يناير 2024، ومعها الإمارات وإثيوبيا وإيران، وإن كنا لا نرى في ذلك ما يشير إلى عالم عولمي متكافئ حقاً.
أما على مستوى مجموعة الدول الثماني النامية – كتجمع عابر للأقاليم ومحدود العضوية، ولكي تكون لبنة حقيقية من لبنات عالم مأمول – فإننا نشير إلى بضع شذرات على النحو التالي…
من حيث المدخل، نشير إلى أهمية تفعيل التجارة المتبادلة والاستثمارات والمشروعات المشتركة، وإيجاد مصادر مأمونة للتمويل الإقراضي والمساعدات التكنولوجية.
أما من حيث المسار المستقبلي، فإنه ينبغي أيضاً العمل في مسارين متوازيين، أولهما: بناء قطاعات إنتاجية على أساس نوع من «تقسيم العمل».. المتناسب مع مزايا ومعطيات الموارد الإنتاجية لمختلف الدول الأعضاء، خاصة في المجال التصنيعي والتكنولوجي.
وثانيهما: العمل على تسوية المبادلات التجارية بالعملات المحلية، ويعقبها عمل على المشاركة في الجهود الرامية لخلق أداة تسوية نقدية عالمية، لمواجهة احتكار الدولار لهذا الدور، على نحو ما تحاول مجموعة «البريكس».
نقلاً عن «الأهرام»