عبدالله عبدالسلام
«ما يحدث في غزة ليس مجاعة، بل نقص مفتعل.. للمواد الغذائية، تقوم به حماس.. التي تمنع توزيع الغذاء، وتنهب المساعدات». هكذا صرَّح المتحدث باسم الحكومة الأشد تطرفاً.. في تاريخ إسرائيل. وفي معزوفة نشاز، هبَّ الرئيس الإسرائيلي هرتسوج – وكبار الوزراء والمسؤولين – لنفي مسؤولية إسرائيل، ورمي الكرة في ملعب الحركة.
هل إسرائيل – بالفعل – لا علاقة لها بالمجاعة، وأنها تعمل وفقاً للقانون الدولي، كما زعم هرتسوج؟
وهل حماس – التي يقول قادة الاحتلال إن وجودها انتهى تقريباً في غزة – تستطيع الاستيلاء على المساعدات، وحرمان الفلسطينيين في القطاع منها؟
تكاد المجاعات تكون سمة أساسية لعالمنا.. الذي يعاني من ظلم ولا مساواة، وانعدام العدالة بصورة غير مسبوقة من قبل. مجاعات هائلة في السودان، وقبله في جنوب السودان وإثيوبيا، وفي سوريا واليمن ومناطق أخرى من العالم.
لكن الفارق بين تلك المجاعات، وما يحدث في غزة؛ كما يقول إليكس دي وال – المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس الأمريكية – أن مجاعة غزة.. مصممة بدقة، ومراقبة عن كثب. المجاعات جميعها من صنع الإنسان. بعض المجاعات ضحاياها.. أكثر عدداً من ضحايا غزة، لكن الفارق الوحيد.. أن إسرائيل يمكنها معالجة الأزمة في غزة خلال 24 ساعة فقط، إذا اختارت ذلك. لو قرر نتنياهو – كما يقول وال – أن يتناول كل طفل غزاوياً.. وجبة إفطار يومياً.
في المجاعات الأخرى، هناك عوامل كثيرة تتدخل لصنع المجاعة؛ مثل خلافات الجماعات المتحاربة، ونقص الغذاء، والمساحة الشاسعة للأماكن التي تنتشر فيها المجاعة.
الأمر يختلف في غزة. إسرائيل تسيطر على كل شحنة مساعدات تدخل القطاع. هي التي تقرر أين يعيش الغزاويون، ومتى يجب عليهم التنقل. تسيطر على إمدادات المياه والكهرباء. هي التي تطلق النار على مقدمي المساعدات. إنها سيطرة صارمة، وتفصيلية للغاية.. على أساسيات الحياة. يمكن لأحد الطيارين أن يقصف مستشفى بطريق الخطأ. قد تكون لديه معلومات خاطئة، لكن لا يمكن لقائد عسكري.. تجويع شعب عن طريق الخطأ. إسرائيل تدرك تماما ما تقوم به. والعالم يدرك ذلك، ومع ذلك تنفي مسؤوليتها، والعالم لا يواجهها حتى ولو بكلمة.
نتنياهو يمكنه فتح صنبور المساعدات، ووقف التجويع.
أمريكا تستطيع أيضاً، وقد ضغطت عليه في مارس من العام الماضي.. لإدخال المساعدات.
لكن إدارة ترامب لم تتخلَّ بعد.. عن خطة «ريفييرا غزة»؛ التي يتم بمقتضاها إخراج أبناء غزة، وتحويل القطاع إلى أجمل منتجع على المتوسط.
هل تفعل إسرائيل أكثر من ذلك؟ فلتنتقد بعض الدول ما يجرى وتسميه حرب تجويع، وإبادة جماعية، ومعسكرات اعتقال.
الواقع أن الاحتلال.. يمهد الأرض لتنفيذ ما يحلم به ترامب. خلال الأيام الماضية، تزايد الحديث عن قرب وقف العدوان، ولم يتوقف. بينما لم تهتم واشنطن بوقف المجاعة.. مع أن ذلك يمكن أن يحدث خلال ساعات.
المساعدات موجودة، وفرق الإغاثة مستعدة لتوزيع الغذاء.. لكن صانع القرار الأمريكي-الإسرائيلي غير معني إلا بالرهائن، والقضاء على الحماس.
للأسف، حتى المفاوضات الهادفة لوقف القتال، التي يشارك فيها أطراف عربية، ليست مهتمة بالمجاعة، وكأنها تحدث في المنطقة القطبية الشمالية.
نقلاً عن «المصري اليوم»