عمرو الشوبكي
تحدثت، الأسبوع الماضي، عن ضرورة الحفاظ على المباني التاريخية، وتغيير طريقة الدولة.. في التعامل مع الأحياء والمباني والمقابر التاريخية؛ لأنها تمثل قوة مصر الحقيقية وسحرها، كما أنها يمكن أن تكون مصدراً للدخل من السياحة، وأن الكوبري لا يجب أن يحل مكان مبنى أثري، وأن أطول وأعرض برج.. مكانه في الصحراء، وليس على حساب مبنى قديم واحد.
والحقيقة، أني أعود لأتحدث – بشكل أوضح – عن البدء في إزالة مبنى «هندسة السكة الحديد».. بجوار كوبري 6 أكتوبر، الذي زُيِّن بلافتة مكتوب عليها «بُني في 1910»، وهو تاريخ يجب أن يفرق مع الناس الطبيعيين؛ سواء كانوا مهتمين بالتراث والتاريخ أم لا، أو معماريين كبار، أو أناس عاديون.
ولكن للأسف، فإن بلدوزر الدولة.. لم يفرق معه لا مبنى قديم، ولا مقبرة تاريخية. وأصبح يُشاهَد وهو.. إما يهدم، أو يستعد للهدم، أو يعمل على الهدم.. في مشهد حزين ومؤلم.
ورغم أن وعي كثير من الناس بقضايا التراث، والحفاظ على المباني التاريخية.. ليس بالصورة المطلوبة. وهناك من يفضل الكوبري، والمحور، وناطحة السحاب.. بدلاً من المبنى الأثري أو التاريخي؛ متصوراً أنه بذلك.. سيجلب «كاش»، أو مكسباً سريعاً، إلا أن هناك تياراً واسعاً.. يقاوم سياسة هدم الكثير من المباني القديمة والتاريخية هذه، والتمسك بالكتل الخرسانية القبيحة، التي باتت تغزو شوارع القاهرة.. حتى لو كانت كريهة وغير مطلوبة.
والحقيقة، أنه كان متوقعاً أن تعمل الدولة على زيادة وعي الناس بتراثهم، وقيمة مبانيهم التاريخية. ولكنها فعلت العكس، وسعت لهدم مئات المباني والمقابر.. التاريخية وغير التاريخية، وبدا دفاع الناس الفطري.. عن مبنى هندسة السكك الحديد – رغم ازدحام الكوبري المحيط به – رسالة يجب أن تسمعها الدولة، وتفعل ما هو غير متوقع؛ أي أن توقف هدم المبنى، وتبحث عن بدائل أخرى.
ورغم أن رفض هدم المبنى، لم يصل إلى نفس درجة حملات الرفض – التي استمرت لسنوات – من أجل وقف هدم مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعي، فقد أزالت الدولة جانباً كبيراً منها. وما يجري مع مبنى هندسة السكك الحديد.. هو سياسة متبعة منذ سنوات، استهدفت أماكن تاريخية.. لم يكن يتخيل الكثيرون أنه يمكن المساس بها.
صحيح أن هدم القديم وإزالته، حدث في القرون الوسطى.. في معظم دول العالم؛ لأن الشعوب لم تكن على وعي بقضايا الحفاظ على التراث، تماماً مثلما كان العالم في ذلك الوقت لا يعرف دولة القانون والديمقراطية، وكانت نظريات الحكم الإلهي سائدة.
لكن في عالم أصبحت فيه دولة القانون هدفاً، أصبح متداخلاً مع قيم العصر في السياسة والاقتصاد، قضايا الحفاظ على التراث والمباني التاريخية والقديمة.
قد يكون الحفاظ على مبنى «هندسة السكك الحديد» رسالة متأخرة.. بأن هناك من بدأ مراجعة القرارات الخاطئة.
نقلاً عن «المصري اليوم»