أمينة خيري
ما الذي سيكتبه التاريخ عن المرحلة التي نعيشها حالياً؟ ما الذي سيسطره «المؤرخون» حول الحرب في غزة؟ ومواقف ومخططات إسرائيل؟ والسابع من أكتوبر؟ والأدوار التي تلعبها أمريكا في العالم وفي «المنطقة العربية»؟ وهل سيكون اسمها في هذه الكتب «المنطقة العربية» أم مُسمّى آخر؟ وكيف سيتطرق «المؤرخون» إلى إيران وتركيا، والجماعات والميليشيات المسلحة، ومنها ما وصل إلى الحكم وأصبح نظاماً؟ وما الذي سيُكتَب عن العرب وشعوبهم؟ وما يجري في السودان، أو ما سيتبقى منه، وليبيا، واليمن والعراق؟ وما الذي سيكتب عن إثيوبيا والقوى التي تدعمها، ودور الماء في تشكيل المنطقة؟ وكيف سيتم شرح التحالفات، ما ظهر منها وما خفي، سواء في المنطقة، أو في العالم وحروبها السياسية والعسكرية والجيوسياسية والتجارية المستعرة؟
أسئلة كثيرة تدور حول محتوى كتب، أو المحتوى الإلكتروني، الذي ستتم كتابته حول ما نعيشه حالياً. المؤكد أن «حنجورية» التحليل و«عنترية» المواقف الحالية.. لن تجد طريقاً أو ملجأ لها في هذا التوثيق.
هل طالعت يوماً، عزيزي القارئ، نصاً في كتاب أو وثيقة تاريخية يقول نصها: «ولم يجرؤ الأعداء على الاقتراب من الشعب الفلاني، لأنه مدعوم من السماء»، أو «هذا وقد فشلت خطة العدوان ومؤامرة الاحتلال، لا لشيء إلا لأن شعباً ما.. غلبان»؟ هل حصل واشتملت مراجع التاريخ على كلمات أغنيات وطنية.. هددت العدو وأرهبته، فكان لها النصر؟ أو على كتابات مثقفين، وتدوينات وطنيين اعتمدت على تهديد العدو وترهيبه، أو تحليلات خبراء أو مدَّعي الخبرة.. قائمة على إعادة تدوير ما يطالعونه على منصات السوشيال ميديا، قبل استضافة تلفزيونية؟
وعلى سيرة منصات السوشيال ميديا، هل سيكون للمحتوى العنكبوتي مساحة.. فيما يكتبه المؤرخون عن لحظاتنا الحالية؛ لا سيما وأن جيوش المؤثرين والمؤثرات، وصناع وصانعات المحتوى في شتى أرجاء الأرض – لا سيما في منطقتنا العزيزة – يناطحون العلماء والخبراء الحقيقيين، ويقدمون أنفسهم باعتبارهم.. العالمين ببواطن الأمور، عبر مقاطع «تيك توك» العابرة، وفيديوهات «إنستاجرام» و«فايسبوك» العارضة؟ بل هل سيكتب – أو يشارك في كتابة التاريخ الحالي – أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.. العامرة بالمحتوى والمتخمة بالمعرفة؟ وهما المحتوى والمعرفة.. اللذان يحددان خط سير وتوجه وفكر المحتوى، وذلك بحسب ما تمليه الخوارزميات، ويقرره حجم المحتوى المتاح بلغة ما.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها، ولكن في غفلة من الأحداث والحوادث المتسارعة من حولنا. مفهوم ومنطقي.. ألا نشغل أنفسنا بـ«من يكتب هذا التاريخ؟»، بينما نحن غارقون تماماً فيما يجري، ولكن هذا لا يمنع أبداً.. من الإشارة – أو التنويه أو التلميح – بأن التاريخ يكتبه «مؤرخون»، ينتمون لمجتمعات ومدارس أكاديمية، وربما أيديولوجيات ومرجعيات ثقافية (وبينها دينية) عديدة. ومن يكتب التاريخ – لا المادة المكتوبة للاستغلال الآني – يملك الحاضر ويتحكم في المستقبل.
الرواية التاريخية سيكتبها «مؤرخون» – بشر وتطبيقات – من خلال وجهات نظر وتجارب، وليس فقط قواعد أكاديمية وقيم أخلاقية. وليس صحيحاً أن المنتصر وحده.. هو من يكتبه، بل يكتب المنهزم أو المهمش «نسخاً» أخرى، والعبرة بـ«جودة المحتوى».
نقلاً عن «المصري اليوم»