زياد بهاء الدين
لأسبوعين تقريباً.. انتظر المحللون والمراقبون البيان الإعلامي الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي – التي زارت مصر في مطلع ديسمبر – بغرض إجراء المراجعة الدورية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.. المتفق عليه في إطار القرض الممول من الصندوق.
وأهمية هذه المراجعة أنها تتيح لمصر الحصول على دفعة جديدة من التمويل، وتقيِّم السياسات المنفذة، وتقدِّم تصوراً للأوضاع والمخاطر المستقبلية، وتمنح شهادة خبرة موثوقاً بها للأسواق والمؤسسات الدولية.
وفي مساء الثلاثاء (23 ديسمبر) صدر البيان في ثلاث صفحات، متضمناً تقييم بعثة الصندوق لحالة الاقتصاد المصري وحاملاً عدة رسائل، إليكم أهم ما فيها:
* بشكل عام.. فإن البيان جاء إيجابياً، وأفضل مما كان متوقعاً في تقييمه لأداء الاقتصاد الكلي، وخاصة بالنسبة لارتفاع معدل النمو، وانخفاض التضخم، واستقرار سوق الصرف، وزيادة عوائد السياحة وتحويلات العاملين بالخارج والتصدير.
* أثنى البيان بشكل خاص على أداء البنك المركزي، وحُسن إدارته لسوق الصرف والسياسة النقدية والقطاع المصرفي، كما أشاد بسياسات وزارتي المالية والاستثمار.. الداعمة للنمو الاقتصادي؛ وخاصة الإصلاحات الضريبية الأخيرة.
* وبالنسبة لتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، فإنه هذه المرة لم يضع وزناً كبيراً للموضوع.. كما كان الحال سابقاً؛ مُركزاً أكثر على النصح بتحجيم دور الدولة بشكل عام، والاهتمام بايجاد مناخ تنافسي.. بينها وبين القطاع الخاص.
* أما الملاحظة التي استوقفتني، فهي تشجيع الحكومة على ضخ المزيد من الموارد.. في برنامجي: كرامة وتكافل. وهي نصيحة جيدة ولكن غريبة، لأن المعروف أن برنامج الصندوق يستهدف الحفاظ على الانضباط المالي، والحد من عجز الموازنة والدين العام. لهذا يبدو لي أن الصندوق هنا يلقي بالكرة في ملعب الحكومة.. دون تقديم رؤية واقعية لكيفية تمويل هذا المطلب البديهي والضروري.
* وأخيراً، لاحظت أن البيان – بعد أن نوه بانخفاض معدل التضخم – عاد للتحذير من مخاطر ارتفاعه مستقبلاً، وهو ما سنرى كيف تتعامل معه لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي.. اجتماعها قبل أيام.
هذا ما جاء ببيان الصندوق، وهو كما سبق القول.. إيجابي بوجه عام، وللحكومة والبنك المركزي أن يستريحا إليه.
ولكن من جهة أخرى – ولا مفر من الرجوع لذلك – فإن ما تحقق على مستوى المؤشرات الكلية.. لا يعبِّر عن الأوضاع المعيشية للناس، ولا عن معاناتهم من الغلاء المستمر، ولا قلقهم من مخاطر الدين العام الذي سيرثه أولادهم، ولا شكاوى المستثمرين من مزاحمة الدولة، ولا مشقة الحياة اليومية التي لا تظهر في المؤشرات الاقتصادية.
الخلاصة – وهذا من عندي وليس من الصندوق – أن الاقتصاد المصري إجمالاً.. يقف اليوم على أرضية أكثر صلابة واستقراراً.. مما كان عليه منذ عامين، وهو تحسُّن يرجع للسياسات القاسية التي اتخذتها الحكومة، ودفع الناس ثمنها، ولكن لم يواكبها تحسُّن في الأوضاع المعيشية، بل اتسعت الفجوة الاجتماعية، وزادت أعباء الحياة على الطبقات الوسطى والفقيرة.
مع ذلك، فإن هذه الأرضية الأكثر استقراراً.. تمنحنا فرصة للمستقبل، إن نجحنا في البناء عليها بسياسات اقتصادية واجتماعية.. تهتم بالمواطن، وبالإنتاج، وبالاستثمار، وبتحسين مستوى المعيشة، وبتوجيه الموارد.. نحو ما ينفع الناس، فقد نتقدَّم حقاً.
… أما إذا مضينا في ذات النهج، وتجاهلنا الإصلاح الهيكلي المطلوب.. فسنكون قد دفعنا ثمناً غالياً دون جدوى.
نقلاً عن «المصري اليوم»