زياد بهاء الدين
لعلكم لاحظتم خلال الأسابيع القليلة الماضية، حتى مع انشغالنا بخطة «ترامب» لإخلاء غزة وتحويلها إلى «ريفييرا» الشرق، أن نشاطاً ملحوظاً يجري على الساحة الداخلية بشأن الأحزاب والنشاط الحزبي في مصر، بما فيها تأسيس أحزاب جديدة، وأخبار غير واضحة عن تحالفات مقبلة.
طبيعي أن يزيد النشاط الحزبي مع اقتراب انتخابات البرلمان. ولكن هذه «الحالة الحزبية» يفسدها أن القانون المنظم للانتخاب لم يتم تعديله. وإليكم السبب:
نظامنا الانتخابي مبني أساساً على التنافس بين قوائم حزبية. والمفروض أن تكون القوائم «نسبية»، أي أن كل حزب يحصل على عدد مقاعد يعبر عن نسبة الأصوات التي فاز بها فى الانتخابات. بمعنى أن القائمة الحزبية التي تفوز بربع الأصوات مثلاً تحصل على ربع عدد المقاعد وهكذا. ولكن ما حدث مع البرلمانين السابقين أن هذا النظام تم تشويهه بتعديل في القانون جعلنا نأخذ بنظام «القائمة المطلقة».
وفي هذا النظام فإن التنافس بين القوائم لا ينتهى بحصول كل حزب على مقاعد تتناسب مع الأصوات التي فاز بها، بل ينتهي باستئثار الحزب الحائز على أغلبية الأصوات بكل المقاعد. وهذا يعني أن الحزب الذي يفوز بنسبة 51٪ من الأصوات يحصل على 100٪ من المقاعد، بينما الحزب الذي يفوز بربع الأصوات أو حتى 49٪ منها لا يحصل على أي مقعد. صحيح أنه يوجد تمثيل فردي في البرلمان ولكنه محدود، كما أن عدد دوائره – بسبب الأخذ بنظام القوائم – اتسعت لدرجة لا تسمح إلا لأصحاب الثروات الهائلة والنفوذ الواسع بخوضها.
ونظام «القائمة المطلقة» معيب لعدة أسباب:
- أنه يهدر أصوات من صوتوا لغير القائمة صاحبة الأغلبية ولو كانوا 49٪ من الناخبين، بالمخالفة لمنطق التمثيل النيابي.
- أنه يجعل الانتخابات البرلمانية محسومة من البداية لصالح قائمة واحدة يجري تشكيلها وتوزيع مقاعدها بالاتفاق بين الأطراف السياسية.
- أن المرشح الانتخابي لا يجد جدوى من طرق أبواب الناس في دائرته وكسب ودهم وأصواتهم، بل وقد لا تكون له دائرة من الأصل. فالنتيجة لا تتوقف على اختيار الناخبين، بل على إرادة من يشكلون القوائم.
- أن الأحزاب الراغبة فى دخول البرلمان لا يكون أمامها إلا التفاوض مع من يمسكون بمفاتيح القوائم مضمونة النجاح كي تحصل على نصيبها من المقاعد.
لهذا فإن لم يتغير القانون ويعود العمل بنظام يعيد للناخبين أصواتهم وللأحزاب مساحة للتنافس على كسب ثقة الناس، فإن كل ما يجري من تأسيس لأحزاب جديدة وتحالفات بينها قد يسفر عن إعادة توزيع مقاعد البرلمان وظهور وجوه جديدة، ولكنه لن يؤدي لتحقيق الغرض الأهم، وهو تمكين الشعب من أن يكون له صوت في اختيار ممثليه البرلمانيين.
أعلم أن البرلمانين السابقين، برغم تشكيلهما وفقاً لنظام «القائمة المطلقة»، قد قدَّما العديد من النواب الذين اجتهدوا في الدفاع عن مصالح البلد والشعب، ولهم كل الاحترام والتقدير. ولكن هذا تقدير لأشخاصهم واجتهادهم، ولا يغير من حقيقة أن البرلمان يتشكل باتفاقات سياسية لا بإرادة الشعب.
مرحباً بأحزاب جديدة، ولا بأس بتحالفات بين من يرغب فى التحالف، ولكن دعونا نتفق على أن هذا وحده لن ينتج مجلساً نيابياً ممثلاً للناس، ودعونا نركز جهدنا في المطالبة بتعديل النظام الانتخابي لأن هذا هو الهدف الأهم.
نقلاً عن «المصري اليوم»