عبدالله عبدالسلام
في ظل الانكسارات والنكسات، يميل الأفراد والشعوب إلى الإغراق في جلد الذات.. شعور بالذنب، وكآبة، وتدني تقدير النفس، وفقدان دافع التفكير في إصلاح الأحوال أو المستقبل. رؤى مفرطة في التشاؤم.. بأن القادم أسوأ. يتم تضخيم الأخطاء والعيوب.. إلى درجة عدم القدرة على النقد الموضوعي والمراجعة، والإصرار على التصحيح والتغيير. هذه الحالة تسود عالمنا العربي. تظهر من خلال الكتابات على وسائل التواصل الاجتماعي، والصحافة والإعلام.
ما يجري في غزة من عدوان وقتل، وتدمير وتهجير، يجعل عرباً كثيرين يشعرون بالعجز والدونية والهوان.
هناك كُتَّاب وصحفيون وإعلاميون عرب، يساهمون بقوة في زيادة معدلات تلك الظاهرة.. من خلال التضخيم غير المسبوق في قدرات «العدو»، بحيث تبدو كلماتهم وتدويناتهم إعجاباً.. بل انبهاراً به؛ يتحدثون عن العمليات العسكرية والاستخباراتية.. التي قضت بشكل شبه نهائي على قدرات حزب الله وحماس وغيرهما، باعتبارها قمة الاحترافية والعبقرية الإسرائيلية. ينتقلون من الحديث عن قدرات المحتل العسكرية الهائلة.. إلى «التغنِّي» بإمكانياته التكنولوجية والعلمية. وفي المقابل، يتم تصوير العرب بأنهم يعيشون في القرن 21 بأجسادهم فقط، إلا أن عقولهم وقدراتهم وأنماط حياتهم.. تعود إلى مائتي عام خلت.
من الصعب تصوير ما يحدث حالياً.. بأنه مجرد كبوة. إنه سلسلة من الهزائم والخيبات.. على مستويات عديدة؛ عسكرية وسياسية واقتصادية وتعليمية، لكن ذلك ليس معناه إغلاق باب الأمل في التغيير للأفضل. شعوب كثيرة تعرضت للإذلال والمهانة، وفرض عليها الغرب شروط استسلام.. منزوعة الكرامة تماماً. ومع ذلك تغلبت على انكساراتها، وعادت تشغل المكانة التي تستحقها في العالم.
الصين نموذج ساطع. الفترة من 1839 حتى 1939 سُميت قرن الإهانة الصيني. هزائم عسكرية. إجبار الصينيين على شراء الأفيون وتعاطيه. امتيازات غربية لا مثيل لها. أين هي الصين الآن؟ تناطح أمريكا والغرب كله.
أيرلندا نموذج آخر. تعامل البريطانيون مع مواطنيها.. باعتبارهم أدنى من البشر. أجبروهم على الهجرة من بلادهم. اقتطعوا جزءاً غالياً من أرضهم (أيرلندا الشمالية) وضمُّوه إليهم. أيرلندا الآن.. تتفوَّق في المؤشرات الاقتصادية على بريطانيا. أصبحت معجزة اقتصادية وتكنولوجية أوروبية، رغم أن شعبها لا يزيد على 5٫4 مليون نسمة.
قد نغفر للمواطن العربي العادي انخراطه في التشاؤم وجلد الذات، لكن كيف يقع مثقفون عرب.. يتصدرون الشاشات، ويُشار إليهم بالبنان في هذا المنزلق؟
المثقف طليعة الأمة، وأحد أهم أدواره بث الأمل، ونفخ الروح في الناس، وإقناعهم بأن «كل دورٍ إذا ما تم.. ينقلب»؛ كما قال شاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي. أي أنه لا شيء يبقى على حاله، فلماذا يجري التركيز على أنه لا يمكننا الخروج من المستنقع، وأن هذا هو مصيرنا؟
… أليس التغيير سُنة الحياة؟ لماذا لا يقودنا هؤلاء المثقفون للتغيير والإصلاح والنهضة؟
نحتاج إلى مثقف.. ليس فقط صاحب رؤية، ومنفتح على العالم، بل يكون جسراً للمستقبل. المطربة اللبنانية ماجدة الرومي غنَّت للشاعر طلال حيدر.. أغنية تضمَّنت الأبيات التالية:
«ما تقولوا طوَّل ها الليل.
قولوا بكرة جايي نهار.
وما تقولوا صار اللي صار.. وما عُدنا أصحاب قرار».
نقلاً عن «المصري اليوم»