Times of Egypt

ما بعد دخول الولايات المتحدة الحرب ضد إيران

M.Adam
د. محمد فايز فرحات 

د. محمد فايز فرحات 

ما زالت الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران تمثل فرصة مهمة لاختبار العديد من المقولات والافتراضات، خاصة بعد دخول الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في هذه الحرب من خلال تنفيذها ضربات مباشرة لعدد من المنشآت النووية فجر أمس باستخدام قاذفاتB-2 Spirit .

الحرب أسهمت في تراجُع الاعتماد على الوكلاء، ومن ثم تراجع نموذج الحرب بالوكالة بشكل كبير. ومثَّلت فرصة كبيرة لاختبار صدق علاقات الشراكة بين إيران والقوى الصاعدة في النظام العالمي (الصين وروسيا)، ومدى استعداد الأخيرة لحماية إحدى نقاط الارتكاز المهمة لهذه القوى، ليس بالضرورة من خلال تدخل عسكري، لكن على الأقل من خلال التدخل السياسي لدى الولايات المتحدة وإسرائيل. صحيح أن الشريكين الصيني والروسي مارسا هجوماً، بدرجات مختلفة، على الولايات المتحدة وإسرائيل داخل مجلس الأمن، لكن هذا لم يكن كافياً.. لوقف الحرب أو ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن الاستمرار في ضرب إيران، ما يشير إلى أن هناك حدوداً أو سقفاً – حتى الآن – لاستعداد أو لقدرة هذه القوى الصاعدة على حماية شركائها داخل النظام العالمي قيد التشكل.

قد لا يكون ذلك استنتاجاً نهائياً، فقد يرتبط ذلك مرحلياً بحسابات القوى الصاعدة، والموازنة الاستراتيجية الدقيقة بين تكاليف التدخل والحماية من ناحية، والمكاسب التي يمكن أن تنجم عن هذا التدخل، من ناحية أخرى. لكن – في جميع الحالات – فإن الواقع يشير إلى أن إحدى الخلاصات المهمة للحرب الجارية ــ حتى الآن ــ أن هناك سقفاً لحدود الاعتماد على القوى الصاعدة، وهى خلاصة ستمثل بلا شك محدداً مهماً في بناء التحالفات والمحاور الدولية والإقليمية خلال المرحلة المقبلة، خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، ومنطقة (الإندوباسيفيك) بشكل عام. هذه الخلاصة تأكدت في إقليم الشرق الأوسط مرتين خلال أقل من عام؛ كانت الأولى: مع تخلي روسيا عن حليفها نظام بشار الأسد في مواجهة المعارضة المحلية, وجاءت الحرب الجارية.. لتؤكد هذه الخلاصة مرة ثانية.

مرة أخرى، قد يرتبط ذلك بحسابات مرحلية لهذه القوى، لكنها في الأغلب ستكون حالة طويلة الأمد نسبياً، وقد يكون عدم التدخل لدعم الحلفاء/الشركاء سمة هيكلية لإحدى هذه القوى وجزءاً من عقيدتها الاستراتيجية، أو امتداداً لطبيعة نظامها الثقافي الداخلي.

هذه الحقائق تؤسس لاستنتاج آخر، وهو أننا سنظل في مرحلة الأحادية القطبية القائمة بقيادة الولايات المتحدة لفترة غير محددة. ويمكن القول إن الحرب الجارية – بعد تدخل الولايات المتحدة – أشبه بحرب الخليج الثانية (1990/1991)؛ فإذا كانت الأخيرة قد مثَّلت توثيقاً أو «شهادة موت» النظام ثنائي القطبية وميلاد النظام أحادي القطبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن قرار الولايات المتحدة بالتدخل في الحرب ضد إيران هو أقرب إلى شهادة بإطالة حياة النظام أحادي القطبية إلى أمد غير معلوم في المدى المنظور.

هذا التدخل الأمريكي قد يتبعه حزمة أخرى من القرارات والسياسات لتأكيد الخلاصة نفسها. لقد كان من المتوقع أن تركز إدارة ترامب على المواجهة المباشرة مع الصين وروسيا.. كمدخل لحسم الصراع الجاري على قمة النظام العالمي للحفاظ على النظام أحادي القطبية، لكن الواضح أن التركيز قد يكون – في الأغلب وحتى الآن – على حسم الصراع أولاً في «المناطق الطرفية»، بعيداً عن مركز النظام العالمي أو قمته.

التدخل الأمريكي المباشر في الحرب ضد إيران يبدو في أحد وجوهه دعماً للحليف الإسرائيلي، لكنه ليس بعيداً عن الصراع الجاري على قمة النظام العالمي، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة الأسلحة الأمريكية المستخدمة، وطبيعة الأهداف التي تم العمل عليها. بهذه الطريقة، تكون الإدارة الأمريكية الراهنة قد نجحت في تأجيل الصدام العسكري مع القوى الصاعدة.. إلى أجل غير مسمى، دون أن ينفي ذلك أن دقة وصلابة هذه الاستنتاجات.. ستظل بلا شك مرهونة بردود الفعل الإيرانية على الضربات الأمريكية ضد المنشآت النووية، ومرهونة أيضاً بالنتائج النهائية للحرب، وبالطريقة التي ستنتهي بها، وإن كان من غير المتوقع أن تمثل ردود الفعل الإيرانية نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب.

الجانب الإسرائيلي قد ينتقل إلى التركيز على هدف آخر، وضعه ضمن أهدافه منذ اليوم الأول، وهو إزاحة النظام الإيراني القائم، على أمل بناء نظام جديد ينطلق من قناعات مغايرة؛ بمعنى بناء نظام بديل يتخلى عن المشروع النووي؛ انطلاقاً من أن هذا المشروع مثل أساساً لعلاقات صراعية مع الغرب ودول الإقليم، وعبئاً على الاقتصاد الإيراني والسياسة الخارجية الإيرانية، والتخلي كذلك عن العلاقة الصراعية مع إسرائيل. 

ما زالت الرسائل الصادرة عن الولايات المتحدة أنها لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، وأنها تختلف مع إسرائيل في أولوية هذا الهدف. قد يكون الموقف الأمريكي – في حالة صدقه – مدفوعاً بالخبرة الأمريكية في إزاحة الأنظمة السياسية بالقوة العسكرية؛ إذ تشير هذه الخبرة إلى أنه يمكن تحقيق هذه الإزاحة، لكن من الصعب بناء نظام بديل حليف ومستقر، وهو ما أكدته تجربتا أفغانستان وليبيا وغيرهما. ومدفوعاً أيضاً بتعقد الحالة الإيرانية. 

لكن مع ذلك، لا يمكن الوثوق بالرسائل الصادرة عن الولايات المتحدة، والتي قد تمثل جزءاً من سياسة «الغموض الاستراتيجي» التي مارستها – وما زالت – الإدارة الأمريكية منذ ما قبل بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. ويرجح هذا الاحتمال عاملان آخران.

أولهما: مستوى التنسيق الذي وصلت إليه العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في الحرب، الأمر الذي يعنى إمكان التأثير الإسرائيلي على ترتيب الأهداف الأمريكية في الحرب.

وثانيهما: أن إزاحة النظام القائم قد لا يرتبط به بالضرورة هدف إقامة بناء نظام إيراني بديل؛ فقد يكون الهدف هو إدخال إيران والإقليم في حالة من الفوضى.

هذه الفوضى ستسهم.. أولاً: في خروج المشروع النووي عن السيطرة وتراجعه كأولوية كأمر واقع. كما أنها تمثل، ثانياً: عاملاً محفزاً على ضمان خروج إيران من معادلات القوة في الإقليم. أضف إلى ذلك اعتياد الولايات المتحدة والغرب على حالات الفوضى التي نجمت عن إزاحة العديد من الأنظمة.

إن الحرب الجارية، بعد تدخل الولايات المتحدة، أشبه بحرب الخليج الثانية (1990/ 1991)؛ فإذا كانت الأخيرة قد مثلت توثيقاً أو «شهادة موت» النظام ثنائي القطبية وميلاد النظام أحادي القطبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن قرار الولايات المتحدة بالتدخل في الحرب الجارية ضد إيران هو أقرب إلى شهادة بإطالة حياة النظام أحادي القطبية إلى أمد غير معلوم في المدى المنظور.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة