Times of Egypt

مانيفيستو نتنياهو: استراتيجية «الانطلاقة الشاملة»

M.Adam

د. مصطفى جودة

لا يخفى على أحد أن سياسة نتنياهو ومسالكه واضحة أشد الوضوح.. منذ بزوغ نجمه عندما كان المندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة، ثم عندما هزم شيمون بيريز وفاز برئاسة الوزراء في انتخابات 1996.. التي مثلت ميلاد سياسة إسرائيلية جديدة يتبناها نتنياهو حرفياً. هذه السياسة مقتبسة بالكامل من دراسة مهمة أعدها فريق أمريكي-  بناءً على طلبه – برئاسة صديقه ريتشارد بيرل وسبعة آخرين من معهد الدراسات الاستراتيجية، إضافة إلى خبراء سابقين بوزارة الدفاع، ونشطاء صهيونيين وجماعات ضغط. أعدت الوثيقة له بعد انتخابه مباشرة وسميت: انطلاقة شاملة، استراتيجية جديدة لتأمين إسرائيل. أصبحت هذه الوثيقة، «مانيفيستو» لنتنياهو.. يردده طيلة الوقت وينفذه حرفياً، وصارت المفسر لمسالكه في الماضي والحاضر، ويمكن من خلالها استنباط أفعاله مستقبلياً.

الأهداف المعلنة للوثيقة هي إلغاء إعلان مبادئ اتفاق أوسلو 1 – الذي تم توقيعه عام 1993 – وأوسلو 2 – الذي تم توقيعه عام 1995 – بين منظمة التحرير وإسرائيل. إضافة إلى ذلك أوصت الدراسة بضرورة وضع إسرائيل على مسار الاستقلال عن داعميها، كما أوصت الدراسة أيضاً بإسقاط حكومة العراق، وتحجيم سوريا وإيران، وتحفيز ودعم إسرائيل في الكونجرس الأمريكي. عندما جاء الرئيس جورج بوش الابن للحكم، عين ثلاثة من المؤلفين لتلك الدراسة في وزارة الدفاع وغيرها، وأصبحوا صناع سياسات بارزين في الحكومة الأمريكية ومنظرين لسياسة المحافظين الجدد التي تبنتها إدارته بالكامل. أصبح ريتشارد بيرل عضواً مهماً في مجلس سياسات الدفاع في البنتاجون، وأصبح من أبرز رموز حركة المحافظين الجدد في أمريكا، وكان له دور بارز مع بقيتهم. كما أصبح دوجلاس فيث وكيلاً لوزارة الدفاع.

جاء في مقدمة الدراسة نقداً للصهيونية التي كانت سائدة قبل نتنياهو، وأطلقت عليها الدراسة اسم «الصهيونية العمالية»، وبالتالي فإن إسرائيل تواجه مشكلة كبيرة نتيجة لذلك، «فالصهيونية العمالية، التي هيمنت على الحركة الصهيونية لمدة 70 سنة، قد أدت إلى اقتصاد متعثر ومكبل، وأنها تسعى إلى سيادة فوق وطنية على حساب السيادة الوطنية، وأنها تتبنى شعار الشرق الأوسط الجديد، وأن هذا الأمر يقوض شرعيتها ويدفعها إلى شلل استراتيجي، وإلى عملية السلام التي قادتها الحكومة السابقة«. تتطرق المقدمة بعد ذلك إلى تشخيص مرحلة قدوم نتنياهو وتصفها بأنها تملك مجموعة من الأفكار، وأن قدومها يمثل فرصة لإسرائيل على يديها: «أصبح لدى إسرائيل فرصة للانطلاق من جديد، إذ يمكنها بناء عملية سلام واستراتيجية قائمة على أساس فكري جديد، يعيد إحياء المبادرة الإستراتيجية، ويتيح للأمة المجال لبذل كل جهد ممكن لإعادة بناء الصهيونية، والتي يجب أن يكون الإصلاح الاقتصادي نقطة انطلاقها«.

يتبع المقدمة النصائح والأولويات الإستراتيجية التي يتعين على نتنياهو اتباعها في حكمه: «لقد سعينا لأربع سنوات لتحقيق السلام على شرق أوسط جديد، ولا يمكننا في إسرائيل أن نتظاهر بالبراءة في عالم ليس ببريء. إن إظهار التناقض الأخلاقي بين السعي لبناء دولة يهودية والرغبة في إبادتها بمقايضة «الأرض مقابل السلام»، لن يضمن السلام الآن. إن مطالبتنا بالأرض التي تشبثنا بها أملاً منذ ألفي عام مشروعة ونبيلة». 

ثم تحدثت الدراسة عن التحالف الإقليمي، والسياسة الفلسطينية والضربات الاستباقية، والعلاقة مع الولايات المتحدة، والنهج الجديد للسلام. «ليس من قدرتنا، مهما تنازلنا أن نصنع السلام من جانب واحد، السلام مقابل السلام هو أساس متين للمستقبل«. بالنسبة للسياسة الفلسطينية، تنصح الدراسة بتغيير طبيعة العلاقة مع الفلسطينيين، بما يشمل حق المطاردة الساخنة داخل كل الأراضي الفلسطينية، وتشجيع بدائل للقيادة الحالية. أما بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة، تنصح الدراسة بأن يكون أساس تلك العلاقة هو: «تعزيز الثقة بالاعتماد على النفس، والتعاون الاستراتيجي في المجالات المشتركة، وتأكيد القيم الغربية«.

في ختام الدراسة ينصح واضعوها بأن يكون نهج السلام الذي تريده إسرائيل محدداً، ويخضع لمفاهيم جديدة، مخالفة لما اتبعته إسرائيل من قبل: «اعتمدت الحكومات السابقة، والعديد من الأطراف الأجنبية، على مفهوم الأرض مقابل السلام، مما وضع إسرائيل في موقع تراجع ثقافي واقتصادي، وسياسي، ودبلوماسي، وعسكري. أما الحكومة الجديدة فيمكنها أن تكرس قيم الغرب وتقاليده، وتتبنى نهجاً مثل: السلام من خلال القوة، والاعتماد على النفس، وتبني نهجاً يكرس الاعتماد على النفس.. أي توازن القوى«.

تخلص الدراسة بتقديم توصيات ميدانية منها، ضرورة فرض الهيمنة على الحدود الشمالية عبر التعامل مع حزب الله وسوريا وإيران كقوى عدائية؛ بما في ذلك استهداف البنية التحتية الخاصة بهم في لبنان، وإضعاف سوريا، وإسقاط نظام صدام حسين. تختم الدراسة بما سمته: إرساء الأساس لاستراتيجية جديدة كالآتي: «يمكن لإسرائيل أن تتجاوز مجرد إدارة الصراع العربي- الإسرائيلي بالحرب، لأنها تستطيع تحويل نفسها داخلياً، وأن تصبح فوق الصراع: قوية اقتصادياً، وذات سيادة، وأخلاقية، وقادرة على تشكيل مستقبل الشرق الأوسط المطلوب بشكل دائم«.

نجحت تلك الدراسة مثلما تنجح المؤامرة المحكمة، وعاش نتنياهو بترديدها 24 ساعة في اليوم طيلة 39 عاماً، وكأنه جهاز تسجيل ليجر أمريكا لمهاجمة إيران. استجاب الرئيس ترامب بضرب آخر المنشآت النووية ضارباً عرض الحائط بكل الناصحين له من قاعدته الانتخابية وبقية العالم، وليبدأ عصر جديد من الخوف والفوضى. خرج بعدها نتنياهو ليلقي كلمة ويقول: فعلناها معاً.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة