زياد بهاء الدين
تطرقت الأسبوع الماضي لوصف ظاهرة ليست جديدة، ولكن آخذة في الزيادة مؤخراً، وهي ما سميته «المصريون العاملون في الداخل». وقصدي بذلك هو من يعملون بشكل متفرغ.. لحساب شركات ومكاتب أجنبية، ولكن بدلاً من السفر إلى الخارج، فإنهم يبقون في مصر ويتواصلون مع تلك الجهات الأجنبية.. بوسائل الاتصالات الحديثة؛ سواء كان عملهم من منازلهم، أم في مكاتب مخصصة لهم في مصر. وانتهيت إلى أن هذه ظاهرة كبيرة ومهمة وإيجابية.. لاقتصادنا القومي، ويمكن أن تمثل مصدراً أساسياً للتشغيل والدخل والعملة الصعبة – أسوة بشغل المصريين العاملين في الخارج.. خلال نصف القرن الماضي – لو أُحسن استغلالها وتشجيعها ودعمها.
وقد تلقيت خلال الأسبوع الماضي، ردوداً وتعليقات عديدة.. تؤكد كلها ذات المعنى، من مصريين يعملون لصالح شركات ومكاتب مهنية.. معظمها في دول الخليج العربي، (وبعضها في أوروبا).. في مجالات الهندسة والمحاسبة والتأمين والمحاماة، والاتصالات والبرمجيات والتسويق والترجمة وغيرها؛ كلها تستعين بشبان وشابات.. يؤدون عملهم المهني من مصر، مقابل مرتبات تُعتبر – بمعاييرنا المحلية – سخية، ولكن أيضاً تمثل وفراً كبيراً لهذه الشركات والمكاتب.. مقارنة بما كانت ستدفعه لو تحملت مصاريف سفرهم وإقامتهم ومرتباتهم بالخارج.
والذي يهمني اليوم، هو كيف نستفيد من هذه الظاهرة، وكيف نشجعها وندعمها.. بما يعود بالنفع على هؤلاء الشباب، وبالتالي على اقتصادنا القومي؟
والحقيقة أن النصيحة الأولى – إذا كنا نريد لهذه الظاهرة أن تنمو، وتجلب المزيد من الخير والنفع – أن «نتركها في حالها»، وألا تسعى الدولة لرقابتها والسيطرة عليها، أو التدخل في شؤونها؛ فالتدخل سوف يدفع هذه الظاهرة للاختفاء.. إلى ساحات الاقتصاد غير الرسمي، وهذا ليس مطلوباً ولا مفيداً. بل الأفضل ترك المياه تجري في مساراتها الطبيعية، والشباب يبحثون عن مصالحهم ومستقبلهم، ويعملون دون تدخل أو إزعاج من الدولة.
أما إذا أردنا تجاوز مجرد «الترك في الحال»، والتدخل بشكل إيجابي، فإليكم بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة وتساعد نمو هذه الظاهرة بشكل صحي:
أبسط شيء، هو أن يجري تعديل في مفهوم تأسيس الشركات.. بما يسمح بنشوء شركات، غرضها الوحيد – أو الأساسي – هو تقديم خدمات مهنية للغير خارج مصر. وهذا ليس محظوراً، ويمكن في الحقيقة عمله وفقاً للقواعد الحالية، ولكنه سوف يضع الشركة محل تساؤل مستمر.. من الجهات الرقابية والضريبية. لذلك فاقتراحي.. أن يتم تحديد وتعريف هذا النوع من النشاط بشكل رسمي، كي يكتسب وضوحاً ومصداقية.
الموضوع الثاني.. يتعلق بالمعاملة الضريبية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العاملين في الخارج – حينما يسافرون بالفعل، ويحصلون على دخول أجنبية – فإنهم لا يدفعون ضريبة في مصر (بعد الحكم بعدم دستوريتها عام 1994)، كما أن جانباً كبيراً من دخولهم.. يتم إنفاقه في الخارج، وهو من حقهم. أما زملاؤهم العاملون في الداخلون فيدفعون ضريبة كاملة. والأرجح، أن ينفقوا معظم دخولهم في الداخل. كيف يمكن إذن تحفيزهم ضريبياً.. بما يحقق دخلاً للدولة وعدالة في المعاملة وتحفيزاً لهذا القطاع المهني؟
وأخيراً، فقد يجدر النظر في الاهتمام – بشكل خاص – بتدريب وتأهيل العاملين في المجالات.. التي يمكن أن تكون محلاً لأنشطة «المصريون العاملون في الداخل»، وهي مختلفة عن تدريب العمال في المجالات المعتادة.. الإنشائية والحرفية التي اعتدنا عليها.
هذا مجرد فتح للموضوع. وهو موضوع كبير، وأتوجه بهذه الاقتراحات لمن يهمه الأمر، وأتصور أنه يهم الاستثمار والعمل والمالية.. على وجه الخصوص.
المهم، أن ندرك أن فرصة مصر القادمة، ستكون من خلال تطوير وتحفيز ومساعدة العاملين في الداخل.
نقلاً عن «المصري اليوم»