زياد بهاء الدين
لا أظن أن موضوعاً أثار خلافاً داخل المجتمع.. قدر ما أثاره تعديل قانون الإيجارات، الذي أصبح نافذاً من أيام.
ومن جانبي، فقد انتقدت القانون أكثر من مرة.. أثناء المناقشة البرلمانية. واعتراضي لم يكن لرفض تحرير الأجرة، أو إنهاء امتداد العقود، فأنا – من حيث المبدأ – مع استعادة مالك العقار.. حق ملكيته كاملاً، وإنهاء تدخل الدولة في التسعير، وفي العلاقة التعاقدية. تحفظي كان – ولا يزال – على أن القانون لم تتم دراسته بشكل كافٍ، ولم يستند لمعلومات وإحصاءات مدققة وضرورية.. لرسم سياسة تشريعية سليمة. ولهذا، فقد تعامل مع كل حالات الإيجار القديم.. بمنطق واحد، ودون تمييز بين الأوضاع الاجتماعية المتباينة، (وليس مجرد المناطق السكنية). وترتب على ذلك أن القانون لم يقدم حلاً مناسباً.. لوضع فئة اجتماعية تستحق الرعاية، ولن تقدر على تحمل تحرير الأجرة، ولا الانتقال لمسكن بديل.
ولكن مع صدور القانون، فلم يعد من المُجدي العودة لمناقشة الموضوع من أوله؛ بل الأفضل أن نعمل على ضبطه، واستكمال أوجه النقص فيه. والمدخل الأساسي، هو إدراك أن القانون سوف يحقق مكاسب كبيرة، ولكن يترتب عليه ضرر محدد. والمهم أن نسعى لتصحيح الضرر.. دون التضحية بالمكاسب.
أما عن المكاسب، فهي المتمثلة في رد حق الملكية لمالك العقار، وتصحيح وضع قانوني مضطرب، وإنهاء حالة استفاد منها مستأجرون كثيرون.. دون وجه حق، خاصة من استمروا في دفع أجرة زهيدة.. لمساكن لا يقطنونها، أو يحتجزونها للمستقبل، أو يؤجرونها من الباطن.. ويستفيدون بما حرم منه المالك.
غلق هذا الملف – ولو بعد سبع سنوات – خطوة كبيرة وحاسمة، دفعتنا إليها المحكمة الدستورية العليا، لكي تنهي حالة استثنائية وغير طبيعية. ولكن الضرر، أن هناك فئة لا يستهان بها في المجتمع، تستحق الرعاية والحماية الاجتماعية.. لعدم قدرتها على التأقلم مع الوضع الجديد. وهذا لا ينطبق فقط على محدودي الدخل.. بالمفهوم التقليدي؛ بل أيضاً على أصحاب المعاشات، وكبار السن، وأصحاب الدخول المتوسطة، وكل من لا يملك مسكناً بديلاً.. ولا طاقة له على تحمل تحرير السعر، بعد أن استقرت أوضاعه المعيشية على وضع معين.
واعتقادي، أن هذه الفئة.. ليست بالحجم والعدد الذي يشاع عنه، ولهذا يلزم عمل الدراسة الإحصائية المطلوبة.. لتحديد عدد مستحقي الرعاية، والتعامل معهم بشكل سليم وعادل. والعدالة لا تعني أن يتحمل مالكو العقارات هذا العبء وحدهم، بل أن تتدخل الدولة – كما تتدخل في كل برامج الحماية الاجتماعية – لكي تغطي الفجوة بين الأجرة السوقية، وبين ما يدفعه مستحقو الحماية.. أو جزءاً منها. بمعنى آخر – ولا أخجل من استخدام اللفظ – فإن هناك مساحة للدعم.. يمكن للدولة تقديمه؛ ليس بموارد جديدة، وإنما خصماً من موازنة الإسكان الاجتماعي، الذي يتم توجيهه لبناء مساكن جديدة.. قد لا تكون هناك حاجة ملحة إليها.
يتبقى بعد ذلك موضوع «خلو الرجل»، الذي لم يتطرق إليه القانون الجديد، ويحتاج لمعاملة إضافية. وقد يكون ذلك.. بتشكيل لجان قضائية، للنظر في حقوق من دفعوا هذا المقابل.. الذي اقترب أحياناً من قيمة العقار؛ فلا يصح إهمال هذه الأوضاع وتجاهلها.
قد يبدو ما سبق معقداً، وصعب التحقيق. ولكن الموضوع كبير ومعقد وصعب، ويمس حياة الكثيرين من الجانبين، وكلاهما يستحق الرعاية. فدعونا لا نعتبر أن القانون – بصدوره – قد حل كل المشاكل، ولا أنه بأكمله.. فاسد ويجب إلغاؤه، بل ينبغي البناء عليه، وتصحيح بعض جوانبه، واستكمال ما نقص منه، لكي نصل لتوازن عادل، يحفظ الحقوق، ويحمي سلامة المجتمع.
نقلاً عن «المصري اليوم»